بما عنده من المال والإمساك عن الصدقة والتوسعة على المحتاجين مما أتاه الله من الخير فهو يكنزه ولا ينفقه ولا يؤدي زكاته حتى يكوى به جنبه وجبينه وظهره كما قال تعالى فيهم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وطهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون فلهذا العطاء عن شدة سميت صدقة يقال رمح صدق أي صلب وقد ضرب رسول الله ص مثلا في البخيل والمتصدق فقال ص مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عليه حتى تجن ثيابه وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة مكانها فإياك والبخل فإنه يرديك ويوردك الموارد المهلكة في الدنيا والآخرة ولا يجعلك تتكرم وتتصدق إلا استعمال العلم فإنك إذا علمت إن رزقك لا يأكله ولا يقتات به ولا يحيى به غيرك ولو اجتمع أهل السماوات والأرض على إن يحولوا بينك وبين رزقك ما أطاقوا وإذا علمت إن رزق غيرك فيما أنت مالكه لا بد أن يصل إليه حتى يتغدى به ويحيى وإن أهل السماوات والأرض لو اجتمعوا على أن يحولوا بينه وبين رزقه الذي هو في ملكك ما أطاقوا فادفع إليه ماله إذا خطر لك خاطر الصدقة تتصف بالكرم والثناء الجميل وأنت ما أعطيته إلا ما هو له بحق في نفس الأمر عند الله وأنت محمود فإذا علمت هذا هان عليك إخراج ما بيدك ولحقت بأهل الكرم وكتبت في المتصدقين أن أخرجت ذلك عن تردد ومكابدة واتبعته نفسك ورأيت بذلك أن لك فضلا على من أوصلته تلك الراحة فإياك إن تجهل على أحد كما تحب أن لا يجهل عليك وقد كان رسول الله ص يقول في تعوذاته وأعوذ بك أن أجهل أو يجهل علي فمن حكم فيك بالعلم فقد أنصفك (وصية) وعليك بالجهاد الأكبر وهو جهادك هواك فإنه أكبر أعدائك وهو أقرب الأعداء إليك الذين يلونك فإنه بين جنبيك والله يقول سبحانه يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ولا أكفر عندك من نفسك فإنها في كل نفس تكفر نعمة الله عليها من بعد ما جاءتها فإنك إذا جاهدت نفسك هذا الجهاد خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء الذي إن قتلت فيه كنت من الشهداء الأحياء الذين عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله مستبشرين بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم وقد علمت فضل المجاهد في سبيل الله في حال جهاده حتى يرجع إلى أهله بما اكتسبه من أجر أو غنيمة إنه كالصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا من صيام حتى يرجع المجاهد وقد علمت بالحديث الصحيح أن الصوم لا مثل له وقد قام الجهاد مقامه ومقام الصلاة وثبت هذا عن رسول الله ص وهذا في الجهاد الذي فرضه الله تعالى المعين ويعصي الإنسان بتركه لا بد من ذلك ولا يزال العبد العالم الناصح نفسه المستبرئ لدينه في جهاد أبدا لأنه مجبول على خلاف ما دعاه إليه الحق فإنه بالأصالة متبع هواه الذي هو بمنزلة الإرادة في حق الحق فيفعل الحق ما يريده فإننا كلنا عبيده ولا تحجير عليه ويريد الإنسان أن يفعل ما يهوى وعليه التحجير فما هو مطلق الإرادة فهذا هو السبب الموجب في كونه لا يزال مجاهدا أبدا ولذلك طلب أصحاب الهمم أن يلحقوا بدرجات العارفين بالله حتى تكون إرادتهم إرادة الحق أي يريدون جميع ما يريده الحق وهو ما هم الخلق عليه فيريدونه من حيث إن الله أراد إيجاده ويكرهون منه بكراهة الحق ما كرهه الحق ووصف نفسه بأنه لا يرضاه فهو يريده ولا يرضاه ويريده ويكرهه في عين إرادته إن أراد أن يكون مؤمنا وإن لم يكن كذلك وإلا فقد انسلخ من الايمان نعوذ بالله من ذلك فإنه غاية الحرمان وهذا هو الحق الممقوت كما تقول في الغيبة إنها الحق المنهي عنه (وصية) وعليك بإسباغ الوضوء على المكاره وذلك في زمان البرد واحذر من الالتذاذ باستعمال الماء البارد في زمان الحر فتسبغ الوضوء لالتذاذك به في زمان الحر فتتخيل أنك ممن أسبغ الوضوء عبادة وأنت ما أسبغته إلا لوجود الالتذاذ به لما أعطاه الحال والزمان من شدة الحر فإذا أسبغته في شدة البرد صار لك عادة وقال رسول الله ص الخير عادة فأصحب تلك النية في زمان الحر فإن غلبتك النفس على الإسباغ بما تجده من اللذة المحسوسة في ذلك فاعلم إن الالتذاذ هنا إنما وقع بدفع ألم الحر وإزالته فأتو في ذلك دفع الألم عن نفسك ألا ترى قاتل نفسه كيف حرم الله عليه الجنة فحق النفس على صاحبها أعظم من حق الغير
(٤٦٣)