إن هي إلا فتنتك أي اختبارك تضل بها من تشاء أي تحيره وتهدي بها من تشاء أي تبين له طريق نجاته فيها (وأعظم الفتن) النساء والمال والولد والجاه هذه الأربعة إذا ابتلى الله بها عبدا من عباده أو بواحد منها وقام فيها مقام الحق في نصبها له ورجع إلى الله فيها ولم يقف معها من حيث عينها وأخذها نعمة إلهية أنعم الله عليه بها فردته إليه تعالى وإقامته في مقام حق الشكر الذي أمر الله نبيه ع موسى به فقال له يا موسى اشكرني حق الشكر قال موسى يا رب وما حق الشكر قال له يا موسى إذا رأيت النعمة متى فذلك حق الشكر ذكره ابن ماجة في سننه عن رسول الله ص ولما غفر الله لنبيه محمد ص ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبشره ذلك بقوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قام حتى تورمت قدماه شكر الله تعالى على ذلك فما فتر ولا جنح إلى الراحة ولما قيل له في ذلك وسئل في الرفق بنفسه قال ص أفلا أكون عبدا شكورا وذلك لما سمع الله يقول إن الله يحب الشاكرين فإن لم يقم في مقام شكر المنعم فاته من الله هذا الحب الخاص بهذا المقام الذي لا يناله من الله إلا الشكور فإن الله يقول وقليل من عبادي الشكور وإذا فاته فاته ما له من العلم بالله والتجلي والنعيم الخاص به في دار الكرامة وكثيب الرؤية يوم الزور الأعظم فإنه لكل حب إلهي من صفة خاصة علم وتجل ونعيم ومنزلة لا بد من ذلك يمتاز بها صاحب تلك الصفة من غيره (فأما فتنة النساء) فصورة رجوعه إلى الله في محبتهن بأن يرى أن الكل أحب بعضه وحن إليه فما أحب سوى نفسه لأن المرأة في الأصل خلقت من الرجل من ضلعه القصيري فينزلها من نفسه منزلة الصورة التي خلق الله الإنسان الكامل عليها وهي صورة الحق فجعلها الحق مجلي له وإذا كان الشئ مجلي للناظر فلا يرى الناظر في تلك الصورة إلا نفسه فإذا رأى في هذه المرأة نفسه اشتد حبه فيها وميله إليها لأنها صورته وقد تبين لك أن صورته صورة الحق التي أوجده عليها فما رأى إلا الحق ولكن بشهوة حب والتذاذ وصلة يفنى فيها فناء حق بحب صدق وقابلها بذاته مقابلة المثلية ولذلك فنى فيها فما من جزء فيه إلا وهو فيها والمحبة قد سرت في جميع أجزائه فتعلق كله بها فلذلك فنى في مثله الفناء الكلي بخلاف حبه غير مثله فاتحد بمحبوبه إلى أن قال أنا من أهوى ومن أهوى أنا وقال الآخر في هذا المقام أنا الله فإذا أحببت مثلك شخصا هذا الحب ردك إلى الله شهودك فيه هذا الرد فأنت ممن أحبه الله وكانت هذه الفتنة فتنة أعطتك المهداة وأما الطريقة الأخرى في حب النساء فإنهن محال الانفعال والتكوين لظهور أعيان الأمثال في كل نوع ولا شك أن الله ما أحب أعيان العالم في حال عدم العالم إلا لكون تلك الأعيان محل الانفعال فلما توجه عليها من كونه مريدا قال لها كن فكانت فظهر ملكه بها في الوجود وأعطت تلك الأعيان لله حقه في ألوهته فكان إلها فعبدته تعالى بجميع الأسماء بالحال سواء علمت تلك الأسماء أو لم تعلمها فما بقي اسم لله إلا والعبد قد قام فيه بصورته وحاله وإن لم يعلم نتيجة ذلك الاسم وهو الذي قال فيه رسول الله ص في دعائه بأسماء الله أو استأثرت به في علم غيبك أو علمته أحدا من خلقك يعني من أسمائه أن يعرف عينه حتى يفصله من غيره علما فإن كثيرا من الأمور في الإنسان بالصورة والحال ولا يعلم بها ويعلم الله منه أن ذلك فيه فإذا أحب المرأة لما ذكرناه فقد رده حبها إلى الله تعالى فكانت نعمة الفتنة في حقه فأحبه الله برجعته إليه تعالى في حبه إياها وأما تعلقه بامرأة خاصة في ذلك دون غيرها وإن كانت هذه الحقائق التي ذكرناها سارية في كل امرأة فذلك لمناسبة روحانية بين هذين الشخصين في أصل النشأة والمزاج الطبيعي والنظر الروحي فمنه ما يجري إلى أجل مسمى ومنه ما يجري إلى غير أجل بل أجله الموت والتعلق لا يزول كحب النبي ص عائشة فإنه كان يحبها أكثر من حبه جميع نسائه وحبه أبا بكر أيضا وهو أبوها فهذه المناسبات الثواني هي التي تعين الأشخاص والسبب الأول هو ما ذكرناه ولذلك الحب المطلق والسماع المطلق والرؤية المطلقة التي يكون عليها بعض عباد الله ما تختص بشخص في العالم دون شخص فكل حاضر عنده له محبوب وبه مشغول ومع هذا لا بد من ميل خاص لبعض الأشخاص لمناسبة خاصة مع هذا الإطلاق لا بد من ذلك فإن نشأة العالم تعطي في آحاده هذا لا بد من تقييد والكامل من يجمع بين التقييد والإطلاق فالإطلاق مثل قول النبي ص حبب إلي من دنياكم ثلاث النساء وما خص امرأة من امرأة ومثل التقييد ما روى من حبه عائشة أكثر
(٤٥٤)