معهم في رحمته فهم القوم الذين لا يشقى جليسهم فكيف يشقى من كان الحق جليسه وقد ورد في الحديث الثابت أن الجليس الصالح كصاحب المسك إن لم يصبك منه أصابك من ريحه والجليس السوء كصاحب الكير إن لم يصبك من شرره أصابك من دخانه وهو أنه من خالط أصحاب الريب ارتيب فيه وذلك لما غلب على الناس من سوء لظن بالناس لخبث بواطنهم وهنا فائدة أنبهك عليها أغفلها الناس وهي تدعو إلى حسن الظن بالناس ليكون محلك طاهرا من السوء وذلك إنك إذا رأيت من يعاشر الأشرار وهو خير عندك فلا تسئ الظن به لصحبته الأشرار بل حسن الظن بالأشرار لصحبتهم ذلك الخير واجعل المناسبة في الخير لا في الشر فإن الله ما سأل أحدا قط يوم القيامة عن حسن الظن بالخلق ويسأله عن سوء الظن بالخلق ويكفيك هذا نصحا إن قبلت ووصية إن قلت بها والذاكر ربه حياته متصلة دائما لا تنقطع إلا بالموت فهو حي وإن مات بحياة هي خير وأتم من حياة المقتول في سبيل الله إلا أن يكون المقتول في سبيل الله من الذاكرين فهي حياة الشهيد وحياة الذاكر فالذاكر حي وإن مات والذي لا يذكر الله ميت وإن كان في الدنيا من الأحياء فإنه حي بالحياة الحيوانية وجميع العالم حي بحياة الذكر فمثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت كذا مثله رسول الله ص وأما ما ادعيته أن الذاكر أفضل من الشهيد الذي لا يذكر الله فلما صح عن رسول الله ص في قوله ألا أنبئكم أو كما قال بخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضرب رقابكم وتضربون رقابهم ذكر الله فذكر ضرب الرقاب وهو الشهادة وذكر العبد ربه أفضل من قتل الشهيد وثبت عنه إن الذاكر حي فخرج من ذلك أن حياة الذاكر خير من حياة الشهيد إذا لم يكن ذاكرا ربه عز وجل (وصية) وعليك بإقامة حدود الله في نفسك وفيمن تملكه فإنك مسؤول من الله عن ذلك فإن كنت ذا سلطان تعين عليك إقامة حدود الله فيمن ولاك الله عليه فكلكم راع ومسئول عن رعيته وليس سوى إقامة حدود الله فيهم وأقل الولايات ولايتك على نفسك وجوارحك فأقم فيها حدود الله إلى الخلافة الكبرى فإنك نائب الله على كل حال في نفسك فما فوقها وقد ورد الحديث الثابت في الذي يقيم حدود الله والواقع فيها فمثلهما رسول الله ص بقوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين أسفلها إذا استقوا مروا على من فوقهم فقالوا إنا نخرق في نصيبنا لا نؤذي من فوقنا فإن تركوهم وما أراد وأهلكوا جميعا فإذا خطر لك يا وليي خاطر يأمرك بالخير فذلك لمة الملك ثم يأتي بعد ذلك خاطر ينهاك عن ذلك الخير إن تفعله فذلك لمة الشيطان ولا تعرف الخير والشر إلا بتعريف الشرع وإذا خطر لك خاطر يأمرك بفعل الشر فذلك لمة الشيطان فإذا أعقبه خاطر ينهاك عن فعل ذلك الشر فذلك لمة الملك وأنت السفينة إن انخرقت هلكت وهلك جميع من فيك فعليك بعلم الشريعة فإنك لن تعلم حدود الله حتى تقوم بها أو تعرف من يقع فيها ممن قام بها إلا أن تعلم علم الشريعة فيتعين عليك طلب علم الشريعة لإقامة حدود الله (وصية) وعليك بالصدقة فإن الله قد ذكر المتصدقين والمتصدقات وهي فرض ونفل فالفرض منها يسمى زكاة والنفل منها يسمى تطوعا وبالفرض منها يزول عنك اسم البخل وبصدقة التطوع منها تنال الدرجات العلى وتتصف بصفة الكرم والجود والإيثار والسخاء وإياك والبخل ثم إنه عليك في مالك حق زائد على الزكاة المفروضة وهو إذا رأيت أخاك المؤمن على حالة الهلاك بحيث إنك إذا لم تعطه من فضل مالك شيئا هلك هو وعائلته إن كانت له عائلة فيتعين عليك إن تواسيه إما بالهبة أو بالقرض فلا بد من العطاء وذلك العطاء صدقة حتى إني سمعت بعض علمائنا بإشبيلية يقول في حديث هل على غيرها يعني في الزكاة المفروضة قال لا إلا أن تطوع قال لي ذلك الفقيه فيجب عليك فاستحسنت ذلك منه رحمه الله وإنما سمي الله الإنسان متصدقا وسمي ذلك العطاء صدقة فرضا كان أو نفلا لأنه أعطى ذلك عن شدة لكونه مجبولا على البخل فإن الله يقول فيه وإذا مسه الخير منوعا فقال ص في فضل الصدقة وزمانها إن تصدق وأنت صحيح شحيح تخاف الفقر وتأمل الحياة والغني يقول الله تعالى ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون أي الناجون لأن الإنسان إذا كان له مال ويأمل الحياة فإنه يخاف أن يفتقر ويذهب ما بيده من المال بطول حياته لنوائب الزمان وأمله بطول حياته فيؤديه ذلك إلى البخل
(٤٦٢)