نفسه منزلة عبده فيما ذكرناه من الاستطعام والاستسقاء نبهنا بالعجز عن بلوع الغاية في ضر العباد له أو في نفعهم فمن المحال بلوع الغاية في ذلك ولكون الله قد قال في حق قوم إنهم اتبعوا ما أسخط الله وهو في الظاهر ضرر نزه نفسه عن ذلك وكذلك من فعل فعلا يرضي الله به ويفرحه كالتائب في فرح الله بتوبة عبده فكان هذا الخبر كالدواء لما يطرأ من المرض من ذلك في بعض النفوس الضعيفة في العلم بالله التي لا علم لها بما يعطيه قوله ليس كمثله شئ ثم من تمام هذا الخبر قوله يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل في البحر وهذا كله دواء لما ذكرناه من أمراض النفوس الضعيفة فاستعمل يا ولي هذه الأدوية يقول الله إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أو فيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ومن سأل عن حاجة فقد ذل ومن ذل لغير الله فقد ضل وظلم نفسه ولم يسلك بها طريق هداها وهذه وصيتي إياك فألزمها ونصيحتي فاعلمها وما زال الله تعالى يوصي عباده في كتابه وعلى ألسنة رسله فكل من أوصاك بما في استعماله سعادتك فهو رسول من الله إليك فاشكره عند ربك (وصية) إذا رأيت عالما لم يستعمله علمه فاستعمل أنت علمك في أدبك معه حتى توفي العالم حقه من حيث ما هو عالم ولا تحجب عن ذلك بحاله السيئ فإن له عند الله درجة علمه فإن الإنسان يحشر يوم القيامة مع من أحب ومن تأدب مع صفة إلهية كسيها يوم القيامة وحشر فيها وعليك بالقيام بكل ما تعلم أن الله يحبه منك فتبادر إليه فإنك إذا تحليت به على طريق التحبب إليه تعالى أحبك وإذا أحبك أسعدك بالعلم به وبتجليه وبدار كرامته فينعمك في بلائك والذي يحبه تعالى أمور كثيرة أذكر منها ما تيسر على جهة الوصية والنصيحة فمن ذلك التجمل لله فإنه عبادة مستقلة ولا سيما في عبادة الصلاة فإنك مأمور به قال الله تعالى يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وقال في معرض الإنكار قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون وأكثر من هذا البيان في مثل هذا في القرآن فلا يكون ولا فرق بين زينة الله وزينة الحياة الدنيا إلا بالقصد والنية وإنما عين الزينة هي هي ما هي أمر آخر فالنية روح الأمور وإنما لامرئ ما نوى فالهجرة من حيث ما كانت هجرة واحدة العين فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه وكذلك ورد في الصحيح في بيعة الإمام في الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم وفيه ورجل بايع أما ما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف فالأعمال بالنيات وهي أحد أركان بيت الإسلام وورد في الصحيح في مسلم أن رجلا قال لرسول الله ص يا رسول الله إني أحب أن يكون نعلي حسنا وثوبي حسنا فقال له رسول الله ص إن الله جميل يحب الجمال وقال إن الله أولى من يتجمل له (ومن هذا الباب) كون الله تعالى لم يبعث إليه جبريل في أكثر نزوله عليه إلا في صورة دحية وكان أجمل أهل زمانه وبلغ من أثر جماله في الخلق أنه لما قدم المدينة واستقبله الناس ما رأته امرأة حامل إلا ألقت ما في بطنها فكان الحق يقول يبشر نبيه ص بإنزال جبريل عليه في صورة دحية يا محمد ما بيني وبينك إلا صورة الجمال يخبره تعالى بما له في نفسه سبحانه بالحال فمن فاته التجمل لله كما قلناه فقد فاته من الله هذا الحب الخاص المعين وإذا فاته هذا الحب الخاص المعين فاته من الله ما ينتجه من علم وتجل وكرامة في دار السعادة ومنزلة في كثيب الرؤية وشهود معنوي علمي روحي في هذه الدار الدنيا في سلوكه ومشاهده ولكن كما قلنا ينوي بذلك التجمل لله لا للزينة والفخر بعرض الدنيا والزهو والعجب والبطر على غيره (ومن ذلك) الرجوع إلى الله عند الفتنة فإن الله يحب كل مفتن تواب كذا قال رسول الله ص قال الله عز وجل خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا والبلاء والفتنة بمعنى واحد وليس إلا الاختبار لما هو الإنسان عليه من الدعوى
(٤٥٣)