مسرورا به فإنك إنما تلقى الله وكان الحسين أو الحسن ع إذا سأله السائل سارع إليه بالعطاء ويقول أهلا والله وسهلا بحامل زادي إلى الآخرة لأنه رآه قد حمل عنه فكان له مثل الراحلة لأن الإنسان إذا أنعم الله عليه نعمة ولم يحمل فضلها غيره فإنه يأتي بها يوم القيامة وهو حاملها حتى يسأل عنها فلهذا كان الحسن يقول إن السائل حامل زاده إلى الآخرة فيرفع عنه مئونة الحمل (وصية) وإياكم ومظالم العباد فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وظلم العباد إن تمنعهم حقوقهم التي أوجب الله عليك أداءها إليهم وقد يكون ذلك بالحال فيما تراه عليه من الاضطرار وأنت قادر واجد لسد خلته ودفع ضرورته فيتعين عليك أن تعلم أن له بحاله حقا في مالك فإن الله ما أطلعك عليه إلا لتدفع إليه حقه وإلا فأنت مسؤول فإن لم يكن لك قدرة بما تسد خلته فاعلم إن الله ما أطلعك على حاله سدى فاعلم أنه يريد منك أن تعينه بكلمة طيبة عند من تعلم أنه يسد خلته فإن لم تعمل فلا أقل من دعوة تدعو له ولا يكون هذا إلا بعد بذل المجهود واليأس حتى لا يبقى عندك إلا الدعاء ومهما غفلت عن هذا القدر فأنت من جملة من ظلم صاحب هذا الحال هذا كله إن مات ذلك المحتاج من تلك الحاجة فإن لم يمت وسد خلته غيرك من المؤمنين فقد أسقط أخوك عنك هذه المطالبة من حيث لا يشعر فإن المؤمن أخو المؤمن لا يسلمه وإن لم ينو المعطي ذلك ولكن هكذا هو في نفس الأمر وكذا يقبله الله فإذا أعطيت أنت سائلا بالحال ضرورته فانو في ذلك أن تنوب عن أخيك المؤمن الأول الذي حرمه وتجعل ذلك منه إيثارا لجنابك عليه بذلك الخير الذي أبقاه من أجلك حتى تصيبه إذ لو أعطاه اقتنع بما أعطاه ولم تكن تجد أنت ذلك الخير فبهذه النية عطاء العارفين أصحاب الضرورات السائلين بأحوالهم وأقوالهم وأما السائل فلا تنهر وسواء كان ذلك في القوت المحسوس أو المعنوي فإن العلم من هذا الباب والإفادة فإن الضال يطلب الهداية والجائع يطلب الإطعام والعاري يطلب الكسوة التي تقيه برد الهواء وحره وتستر عورته والجاني العالم بأنك قادر على مؤاخذته يطلب منك العفو عن جنايته فاهد الجيران وأطعم الجائع واسق الظمآن واكس العريان واعلم إنك فقير لما يفتقر إليك فيه والله غني عن العالمين ومع هذا يجيب دعاءهم ويقضي حوائجهم ويسألهم أن يسألوه في دفع المضار عنهم وإيصال المنافع إليهم فأنت أولى أن تعامل عباد الله بمثل هذا لحاجتك إلى الله في هذه الأمور خرج مسلم في الصحيح عن عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي عن مروان بن محمد الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر عن النبي ص فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي أنتم تخطئون بالليل والنهار وأنا اغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم والحق تعالى يعطيكم هذا كله من غير سؤال منك إياه فيه ولكن مع هذا أمرك أن تسأله فيعطيك إجابة لسؤالك ليريك عنايته بك حيث قبل سؤالك وهذه منزلة أخرى زائدة على ما أعطاك وإذا كان سؤالك عن أمره وقد علم منك أنك تسأله ولا بد من ضرورة أصل ما خلقت عليه من الحاجة والسؤال لتكون في سؤالك مؤديا أمرا واجبا فتجزي جزاء من امتثل أمر الله فتزيد خيرا إلى خير فما أمرك إلا رحمة بك وإيصال خير إليك ولينبهك على إن حاجتك إليه لا إلى غيره فإنه ما خلقك إلا لعبادته أي لتذل له فالذي أوصيك به الوقوف عند أوامر الحق ونواهيه والفهم عنه في ذلك حتى تكون من العلماء بما أراده الحق منك في أمره ونهيه إياك ومن لم يسأل ربه فقد بخله هذا في حق العموم فإن فرطت فيما أوصيتك به فلا تلومن إلا نفسك فإنك إن كنت جاهلا فقد علمتك وإن كنت ناسيا وغافلا فقد نبهتك وذكرتك فإن كنت مؤمنا فإن الذكرى تنفعك فإني قد امتثلت أمر الله بما ذكرتك به وانتفاعك بالذكرى شاهد لك بالإيمان قال الله عز وجل في حقي وفي حقك وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين فإن لم تنفعك الذكرى فاتهم نفسك في إيمانك فإن الله صادق وقد أخبر بأن الذكرى تنفع المؤمنين ومن تمام هذا الخبر الإلهي الذي أوردناه بعد قوله اغفر لكم أن قال يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ومعلوم أنه سبحانه لا يتضرر ولا ينتفع فإنه الغني عن العالمين ولكن لما أنزل
(٤٥٢)