والنقض في الايمان بتوحيد الله في الأفعال لا في الألوهة فإن ذلك هو الشرك الجلي الذي يناقض الايمان بتوحيد الله في ألوهته لا الايمان بوجود الله ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله ص أنه قال أتدرون ما حق الله على العباد أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا فأتى بلفظة شئ وشئ نكرة فدخل فيه الشرك الجلي والخفي ثم قال أتدرون ما حقهم على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم فاجعل بالك من قوله أن لا يعذبهم فإنهم إذا لم يشركوا بالله شيئا لم يتعلق لهم خاطر إلا بالله إذ لم يكن لهم توجه إلا إلى الله وإذا أشركوا بالله الشرك الناقض للإسلام أو الشرك الخفي الذي هو النظر إلى الأسباب المعتادة فإن الله قد عذبهم بالاعتماد عليها لأنها معرضة للفقد ففي حال وجودها يتعذبون بتوهم فقدها وبما ينقص منها وإذا فقدوها تعذبوا بفقدها فهم معذبون على كل حال في وجود الأسباب وفقدها وإذا لم يشركوا بالله شيئا من الأسباب استراحوا ولم يبالوا بفقدها ولا بوجودها فإن الذي اعتمدوا عليه وهو الله قادر على إتيان الأمور من حيث لا يحتسبون كما قال تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ولقد قال في ذلك بعضهم نظما وهو ومن يتق الله يجعل له * كما قال من أمره مخرجا ويرزقه من غير حسبانه * وإن ضاق أمر به فرجا فمن علامة التحقق بالتقوى أن يأتي رزقه من حيث لا يحتسب وإذا أتاه من حيث يحتسب فما تحقق بالتقوى ولا اعتمد على الله فإن معنى التقوى في بعض وجوهه أن تتخذ الله وقاية من تأثير الأسباب في قلبك باعتمادك عليها والإنسان أبصر بنفسه وهو يعلم من نفسه بمن هو أوثق وبما تسكن إليه نفسه ولا يقول إن الله أمرني بالسعي على العيال وأوجب على النفقة عليهم فلا بد من الكد في الأسباب التي جرت العادة أن يرزقهم الله عندها فهذا لا يناقض ما قلناه فنحن إنما نهيناك عن الاعتماد عليها بقلبك والسكون عندها ما قلنا لك لا تعمل بها ولقد نمت عند تقييدي هذا الوجه ثم رجعت إلى نفسي وأنا أنشد بيتين لم أكن أعرفهما قبل ذلك وهما لا تعتمد إلا على الله * فكل أمر بيد الله وهذه الأسباب حجابه * فلا تكن إلا مع الله فانظر في نفسك فإن وجدت أن القلب سكن إليها فاتهم إيمانك واعلم إنك لست ذلك الرجل وإن وجدت قلبك ساكنا مع الله واستوى عندك حالة فقد السبب المعين وحالة وجوده ولكن مع الفقد يكون ذلك فاعلم إنك ذلك الرجل الذي آمن ولم يشرك بالله شيئا وإنك من القليل فإن رزقك من حيث لا تحتسب فذلك بشرى من الله إنك من المتقين ومن سر هذه الآية إن الله وإن رزقك من السبب المعتاد الذي في خزانتك وتحت حكمك وتصريفك وأنت متق أي قد اتخذت الله وقاية فإنه الواقي إنك مرزوق من حيث لا تحتسب فإنه ليس في حسبانك إن الله يرزقك ولا بد مما بيدك ومن الحاصل عندك فما رزقك إلا من حيث لا تحتسب وإن أكلت وارتزقت من ذلك الذي بيدك فاعلم ذلك فإنه معنى دقيق ولا يشعر به إلا أهل المراقبة الإلهية الذين يراقبون بواطنهم وقلوبهم فإن الوقاية ليست إلا لله تمنع العبد من أن يصل إلى الأسباب بحكم الاعتماد عليها لاعتماده على الله عز وجل وهذا هو معنى قوله يجعل له مخرجا فهذا مخرج التقوى في هذه الآية وهي وصية الله عبده وإعلامه بما هو الأمر عليه (وصية) احذر يا ولي أن تريد علوا في الأرض والزم الخمول وإن أعلى الله كلمتك فما أعلى إلا الحق وإن رزقك الرفعة في قلوب الخلق فذلك إليه عز وجل والذي يلزمك التواضع والذلة والانكسار فإنه إنما أنشأك من الأرض فلا تعلوا عليها فإنها أمك ومن تكبر على أمه فقد عقها وعقوق الوالدين حرام ثم إنه قد ورد في الحديث أن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه فإن كنت أنت ذلك الشئ فانتظر وضع الله إياك وما أخاف على من هذه صفته إلا إن الله تعالى إذا وضعه يضعه في النار وذلك إذا رفع ذلك الشئ نفسه لا إذا رفعه الله فذلك ليس إليه إلا أنه لا بد أن يراقب الله فيما أعطاه من الرفعة في الأرض بولاية وتقدم يخدم من أجله ويغشى بابه ويلزم ركابه فلا يبرح ناظرا في عبوديته وأصله فإنه خلق من ضعف ومن أصل موصوف بأنه ذلول ويعلم أن تلك
(٤٥٨)