من سائر نسائه لنسبة إلهية روحانية قيدته بها دون غيرها مع كونه يحب النساء فهذا قد ذكرنا من الركن الواحد ما فيه كفاية لمن فهم وأما الركن الثاني من بيت الفتن وهو الجاه المعبر عنه بالرياسة يقول فيه الطائفة التي لا علم لها منهم آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة فالعارفون من أصحاب هذا القول ما يقولون ذلك على ما تفهمه العامة من أهل الطريق منهم وإنما ذلك على ما نبينه من مقصود الكمل من أهل الله بذلك وذلك أن في نفس الإنسان أمورا كثيرة خبأها الله فيه وهو الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تحفون وما تعلنون أي ما ظهر منكم وما خفي مما لا تعلمونه منكم فيكم فلا يزال الحق يخرج لعبده من نفسه مما أخفاه فيها ما لم يكن يعرف أن ذلك في نفسه كالشخص الذي يرى منه الطبيب من المرض ما لا يعرفه العليل من نفسه كذلك ما خبأه الله في نفوس الخلق ألا تراه يقول ص من عرف نفسه عرف ربه وما كل أحد يعرف نفسه مع أن نفسه عينه لا غير ذلك فلا يزال الحق يخرج للإنسان من نفسه ما خبأه فيها فيشهده فيعلم من نفسه عند ذلك ما لم يكن يعلمه قبل ذلك فقالت الطائفة الكثيرة آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة فيظهر لهم إذا خرج فيحبون الرياسة بحب غير حب العامة لها فإنهم يحبونها من كونهم على ما قال الله فيهم إنه سمعهم وبصرهم وذكر جميع قواهم وأعضائهم فإذا كانوا بهذه المثابة فما أحبوا الرياسة إلا بالله إذ التقدم لله على العالم فإنهم عبيده وما كان الرئيس إلا بالمرؤوس وجودا وتقديرا فحبه للمرؤوس أشد الحب لأنه المثبت له الرياسة فلا أحب من الملك في ملكه لأن ملكه المثبت له كونه ملكا فهذا معنى آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة لهم فيرونه ويشهدونه ذوقا لا أنه يخرج من قلوبهم فلا يحبون الرياسة فإنهم إن لم يحبوها فما حصل لهم العلم بها ذوقا وهي الصورة التي خلقهم الله عليها في قوله ص إن الله خلق آدم على صورته في بعض تأويلات هذا الخبر ومحتملاته فاعلم ذلك والجاه إمضاء الكلمة ولا أمضى كلمة من قوله إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فأعظم الجاه من كان جاهه بالله فيرى هذا العبد مع بقاء عينه فيعلم عند ذلك أنه المثل الذي لا يماثل فإنه عبد رب والله عز وجل رب لا عبد فله الجمعية وللحق الانفراد (وأما الركن الثالث) وهو المال وما سمي المال بهذا الاسم إلا لكونه يمال إليه طبعا فاختبر الله به عباده حيث جعل تيسير بعض الأمور بوجوده وعلق القلوب بمحبة صاحب المال وتعظيمه ولو كان بخيلا فإن العيون تنظر إليه بعين التعظيم لتوهم النفوس باستغنائه عنهم لما عنده من المال وربما يكون صاحب المال أشد الناس فقرا إليهم في نفسه ولا يجد في نفسه الاكتفاء ولا القناعة بما عنده فهو يطلب الزيادة مما بيده ولما رأى العالم ميل القلوب إلى رب المال لأجل المال أحبوا المال فطلب العارفون وجها إلهيا يحبون به المال إذ ولا بد من حبه وهنا موضع الفتنة والابتلاء التي لها الضلالة والمهداة فأما العارفون فنظروا إلى أمور إلهية منها قوله تعالى وأقرضوا الله قرضا حسنا فما خاطب إلا أصحاب الجدة فأحبوا المال ليكونوا من أهل هذا الخطاب فيلتذوا بسماعه حيث كانوا فإذا أقرضوه رأوا أن الصدقة تقع بيد الرحمن فحصل لهم بالمال وإعطائه مناولة الحق منهم ذلك فكانت لهم وصلة المناولة وقد شرف الله آدم بقوله لما خلقت بيدي فمن يعطيه عن سؤاله القرض أتم في الالتذاذ بالشرف ممن خلقه بيده فلو لا المال ما سمعوا ولا كانوا أهلا لهذا الخطاب الإلهي ولا حصل لهم بالقرض هذا التناول الرباني فإن ذلك يعم الوصلة مع الله فاختبرهم الله بالمال ثم اختبرهم بالسؤال منه وأنزل الحق نفسه منزلة السائلين من عباده أهل الحاجة أهل الثروة منهم والمال بقوله في الحديث المتقدم في هذا الباب يا عبدي استطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني فكان لهم بهذا النظر حب المال فتنة مهداة إلى مثل هذا وأما فتنة الولد فلكونه سر أبيه وقطعة من كبده وألصق الأشياء به فحبه حب الشئ نفسه ولا شئ أحب إلى الشئ من نفسه فاختبره الله بنفسه في صورة خارجة عنه سماه ولدا ليرى هل يحجبه النظر إليه عما كلفه الحق من إقامة الحقوق عليه يقول رسول الله ص في حق ابنته فاطمة ومكانتها من قلبه المكانة التي لا تجهل لو أن فاطمة بنت محمد سرقت قطعت يدها وجلد عمر بن الخطاب ابنه في الزنا فمات ونفسه بذاك طيبة وجاد ما عز بنفسه والمرأة في إقامة الحد عليهما الذي فيه إتلاف نفوسهما وقال في توبتهما رسول الله ص وأي توبة أعظم من أن جادت بنفسها والجود بإقامة الحق المكروه
(٤٥٥)