مأمور بأن يزن أفعاله بميزان الشرع فلا بد من التثبط فيه وإن أسرع ووصف بالسرعة فإنما سرعته في إقامة الميزان في فعله ذلك لا في نفس الفعل فإن إقامة الميزان به تصح المعاملة وقرب الله لا يحتاج إلى ميزان فإن ميزان الحق الموضوع الذي بيده هو الميزان الذي وزنت أنت به ذلك الفعل الذي تطلب به القربة إلى الله فلا بد من هذا نعته أن يكون في قربه منك أقوى وأكثر من قربك منه فوصف نفسه بأنه يقرب منك في قربك منه ضعف ما قربت منه مثلا بمثل لأنك على الصورة خلقت وأقل خلافة لك خلافتك على ذاتك فأنت خليفته في أرض بدنك ورعيتك جوارحك وقواك الظاهرة والباطنة فعين قربه منك قربك منه وزيادة وهي ما قال من الذراع والباع والهرولة والشبر إلى الشبر ذراع والذراع إلى الذراع باع والمشي إذا ضاعفته هرولة فهو في الأول الذي هو قربك منه وهو في الآخر الذي هو قربه منك فهو الأول والآخر وهذا هو القرب المناسب فإن القرب الإلهي من جميع الخلق غير هذا وهو قوله ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فما أريد هنا ذلك القرب وإنما أريد القرب الذي هو جزاء قرب العبد من الله وليس للعبد قرب من الله إلا بالإيمان بما جاء من عند الله بعد الايمان بالله وبالمبلغ عن الله (وصية) ألزم نفسك الحديث بعمل الخير وإن لم تفعل ومهما حدثت نفسك بشر فاعزم على ترك ذلك لله إلا أن يغلبك القدر السابق والقضاء اللاحق فإن الله إذا لم يقض عليك بإتيان ذلك الشئ الذي حدثت به نفسك كتبه لك حسنة وقد ثبت عن رسول الله ص عن ربه عز وجل إنه يقول إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فإنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها وكلمة ما هنا ظرفية فكل زمان يمر عليه في الحديث بعمل هذه الحسنة وإن لم يعملها فإن الله يكتبها له حسنة واحدة في كل زمان يصحبه الحديث بها فيه بلغت تلك الأزمنة من العدد ما بلغت فله بكل زمان حديث حسنة ولهذا قال ما لم يعملها ثم قال تعالى فإذا عملها فإنا أكتبها له بعشر أمثالها ومن هنا فرض العشر فيما سقت السماء إن علمت فإن كانت من الحسنات المتعدية التي لها بقاء فإن الأجر يتجدد عليها ما بقيت إلى يوم القيامة كالصدقة الجارية مثل الأوقاف والعلم الذي يبثه في الناس والسنة الحسنة وأمثال ذلك ثم تمم نعمه على عباده فقال تعالى وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها وما هنا ظرفية كما كانت في الحسنة سواء والحكم كالحكم في الحديث والجزاء بالغا ما بلغ ثم قال فإذا عملها فإنا أكتبها له بمثلها فجعل العدل في السيئة والفضل في الحسنة وهو قوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وهو الفضل وهو ما زاد على المثل ثم أخبر تعالى عن الملائكة أنها تقول بحكم الأصل عليها الذي نطقها في حق أبينا آدم بقولها أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء فما ذكرت إلا مساوينا وما تعرضت للحسن من ذلك فإن الملأ الأعلى تغلب عليه الغيرة على جناب الله أن يهتضم وعلمت من هذه النشأة العنصرية أنها لا بد أن تخالف ربها لما هي عليه من حقيقتها وذلك عندها بالذوق من ذاتها وإنما هي في نشأتنا أظهر ولولا إن الملائكة في نشأتها على صورة نشأتنا ما ذكر الله عنهم أنهم يختصمون والخصام ما يكون إلا مع الأضداد وما ذكر الله عن الملائكة في حقنا أنهم يقولون ذاك عبدك يريد أن يعمل حسنة فانظر قوة هذا الأصل ما أحكمه لمن نظر ومن هنا تعلم فضل الإنسان إذا ذكر خيرا في أحد وسكت عن شره أين تكون درجته مع القصد الجميل من الملائكة فيما ذكروه ولكن نبهتك على ما نبهتك عليه من ذلك لتعرف نشأتهم وما جبلوا عليه فكل يعمل على شاكلته كما قال تعالى وأخبر أن الملائكة تقول ذاك عبدك فلان يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنه إنما تركها من جرائي أي من أجلي فالملائكة المذكورة هنا هم الذين قال الله لنا فيهم إن عليكم لحافظين كراما كاتبين فالمرتبة والتولية أعطتهم أن يتكلموا بما تكلموا به فلهم كتابة الحسن من غير تعريف بما تقدم الله إليهم به في ذلك ويتكلمون في السيئة لما يعلمونه من فضل الله وتجاوزه ولولا ما تكلموا في ذلك ما عرفنا ما هو الأمر فيه عند الله مثل ما يقولونه في مجالس الذكر في الشخص الذي يأتيها إلى حاجته لا لأجل الذكر فأطلق الله للجميع المغفرة وقال هم القوم لا يشقى جليسهم فلو لا سؤالهم وتعريفهم بهم ما عرفنا حكم الله فيهم فكلامهم ع تعليم ورحمة وإن كان ظاهرة كما يسبق إلى الأفهام القاصرة مع الأصل الذي نبهناك عليه
(٤٤٧)