(وصية) وإياك أن تصور صورة بيدك من شأنها أن يكون لها روح فإن ذلك أمر يهونه الناس على أنفسهم وهو عند الله عظيم فالمصورون أشد الناس عذابا يوم القيامة يقال للمصور يوم القيامة أحي ما خلقت أو انفخ فيها روحا وليس بنافخ وقد ورد في الصحيح عن الله تعالى أنه قال ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة وإن العبد إذا راعى هذا القدر وتركه لما ورد عن الله فيه ولم يزاحم الربوبية في تصوير شئ لا من حيوان ولا من غير حيوان فإنه يطلع على حياة كل صورة في العالم فيراه كله حيوانا ناطقا يسبح بحمد الله وإذا سامح نفسه في تصوير النبات وما ليس له روح في الشاهد في نظر البصر في المعتاد فلا يطلع على مثل هذا الكشف أبدا فإنه في نفس الأمر لكل صورة من العالم روح أخذ الله بأبصارنا عن إدراك حياة ما يقول عنه إنه ليس بحيوان وفي الآخرة يتكشف الأمر في العموم ولهذا سماها بالدار الحيوان فما ترى فيها شيئا إلا حيا ناطقا بخلاف حالك في الدنيا كما روى في الصحيح أن الحصى سبح في كف رسول الله ص فجعل الناس خرق العادة في تسبيح الحصى وأخطئوا وإنما خرق العادة في سمع السامعين ذلك فإنه لم يزل مسبحا كما أخبر الله إلا أن يسبح بتسبيح خاص أو هيأة في النطق خاصة لم يكن الحصى قبل ذلك يسبح به ولا على تلك الكيفية فحينئذ يكون خرق العادة في الحصى لا في سمع السامع والذي في سمع السامع كونه سمع نطق من لم تجر العادة أن يسمعه (وصية) وعليك يا أخي بعيادة المرضى لما فيها من الاعتبار والذكرى فإن الله خلق الإنسان من ضعف فينبهك النظر إليه في عيادتك على أصلك لتفتقر إلى الله في قوة يقويك بها على طاعته وأن الله عند عبده إذا مرض ألا ترى إلى المريض ما له استغاثة إلا بالله ولا ذكر إلا الله فلا يزال الحق بلسانه منطوقا به وفي قلبه التجاء إليه فالمريض لا يزال مع الله أي مريض كان ولو تطبب وتناول الأسباب المعتادة لوجود الشفاء عندها ومع ذلك فلا يغفل عن الله وذلك لحضور الله عنده وإن الله يوم القيامة يقول يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك أو أنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما أنك لو عدته لوجدتني عنده الحديث وهو صحيح فقوله لوجدتني عنده هو ذكر المريض ربه في سره وعلانيته وكذلك إذا استطعمك أحد من خلق الله أو استسقاك فأطعمه واسقه إذا كنت موجدا لذلك فإنه لو لم يكن لك من الشرف والمنزلة إلا إن هذا المستطعم والمستسقي قد أنزلك منزلة الحق الذي يطعم عباده ويسقيهم وهذا نظر قل من يعتبره انظر إلى السائل إذا سأل ويرفع صوته يقول بالله أعطني فما نطقه الله إلا باسمه في هذه الحال وما رفع صوته إلا ليسمعك أنت حتى تعطيه فقد سماك بالاسم الله والتجأ إليك برفع الصوت التجائه إلى الله ومن أنزلك منزلة سيده فينبغي لك أن لا تحرمه وتبادر إلى إعطائه ما سالك فيه فإن في هذا الحديث الذي سقناه آنفا في مرض العبد إن الله يقول يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت إن عبدي فلانا استطعمك فلم تطعمه أما لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال أما علمت إن عبدي فلانا استسقاك فلم تسقه أما لو سقيته لوجدت ذلك عندي خرج هذا الحديث مسلم عن محمد بن حاتم عن بهز عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص فأنزل الله نفسه في هذا الخبر منزلة عبده فالعبد الحاضر مع الله الذاكر الله في كل حال في مثل هذه الحال يرى الحق أنه الذي استطعمه واستسقاه فيبادر لما طلب الحق منه فإنه لا يدري يوم القيامة لعله يقام في حال هذا الشخص الذي استطعمه واستسقاه من الحاجة فيكافئه الله على ذلك وهو قوله لوجدت ذلك عندي أي تلك الطعمة والشربة كنت أرفعها لك وأربيها حتى تجئ يوم القيامة فأردها عليك أحسن وأطيب وأعظم مما كانت فإن لم تكن لك همة أن ترى هذا الذي استسقاك قد أنزلك منزلة من بيده قضاء حاجته إذ جعلك الله خليفة عنه فلا أقل أن تقضي حاجة هذا السائل بنية التجارة طلبا للريح وتضاعف الحسنة فكيف إذا وقفت على مثل هذا الخبر ورأيت أن الله هو الذي سألك ما أنت مستخلف فيه فإن الكل لله وقد أمرك بالإنفاق مما استخلفك فيه فقال وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه وعظم الأجر فيه إذا أنفقت فلا ترد سائلا ولو بكلمة طيبة وألقه طلق الوجه
(٤٥١)