فيسجد طوعا وقد يكون في الأرض من هو من أهل السماء فيسجد كرها وهو علم ذوق فالساجد يعرف بأي صفة سجد فهو أهل لما تعطيه تلك الصفة وقال العبد مأمور بالرضى بالقضاء لا بكل مقضي به فاعلم ذلك فإنه دقيق ومن ذلك لم يزل في ضلالة وعمى * من عصى ربه من العلما فانظروا في الذي أفوه به * تجدوه قالت به الحكما (لم يزل في تضليل من عصى الله والرسول) قال لم يزل في حيرة من عصى الله والرسول وما ثم إلا واحد والرسول حجاب وقد علمت أنه لا ينطق عن الهوى بل هو لسان حق ظاهر في صورة خلق فإن رفعه ذمه الله وإن تركه تركه على مضض فأعطاه الله دواء من بلاء لهذه العلة وهو قوله من يطع الرسول فقد أطاع الله ثم زاده في الدواء بقوله إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله فلما أفرد الأمر في عين الجمع بل العليل من دائه ولذلك قال الخليل وإذا مرضت فهو يشفين فإن العبد لا بد له من خواطر تقتضيها نشأته وبنيته فمنها ما يوجب له مرضا فيحتاج إلى دواء ومنها ما لا مرض فيه وهو الخاطر السليم ومن ذلك لذة الوقت للذي يجني * ثمر القرب عند ما يجني فإذا قال كيف قلت له * لو دري العالم الذي أعني هام وجدا به فكيف أنا * ولهذا سترته مني قال الشاعر أحلى من الأمن عند الخائف الوجل لأن الوارد الذي يعطي إلا من الذي يرد على الخائف يكون الخائف أعظم التذاذ به ممن استصحبه الأمن وذلك لتجدد الأمن عليه عقيب الخوف فجاء على النقيض مما كان يأمله وينتظره من وقوع الأمر المخوف منه فوجد الإلتذاذ الذي لا يكون ألذ منه فلو فتح الله عين بصيرته ورأى تجدد نشأته في كل نفس مع جواز عدم التجدد واللحوق بالعدم لكان في لذة دائمة لكن ما كل أحد يعطي هذه الرتبة بل الإنسان كما قال تعالى في ليس من خلق جديد وهو في مفهوم العموم النشأة الآخرة فالجاني هو الذي ينتظر العقوبة فإن كان مؤمنا فإنه ينتظر إما العقوبة من الله على ما جنى أو العفو والمغفرة فإذا جاءته المغفرة وجد لها من اللذة ما لا يقدر قدرها إلا من ذاقها ومن ذلك من كان في النور كان النور يصحبه * وظلمة الجهل ترديه وتسحبه فكن به لا تكن فإنه سند * أقوى ومن جاءه في الحين يذهبه (ولاية النور حبور ولاية الظلمة تبور) قال بولاية النور يكون الظهور فتبدو له عين الأشياء فتفرق همومه وغمومه فله في كل منظور إليه تنزه وعلم وفتح لا يكون في الآخر فتقترن به لذة وسرور على قدر ما كان له من التعطش لطلب ما رآه إن كان معلوما عنده قيل ذلك بالقوة أو على قدر رتبة ذلك المنظور في الحسن والطعم وبولاية الظلمة يهلك في حقه كل ما سترته الظلمة واجتمع عليه همه فإنه لا يتمكن له أن يكون من نفسه في ظلمة فتقل لذاته فإن فتح له فيه بسر الغيب وعظيم مرتبته على الشهادة كان سروره بالظلمة أتم ومن ذلك إذا مضى عنك شئ لا ترد خلفا * منه فإن هلاك الأجر في الخلف وقل له بالذي تحويه من عجب * إن المقام الذي أرجوه في التلف (التلف قد يكون في الخلف) قال من أعطى مؤديا أمانة فأخلف الله عليه مثل ما أعطى فقد زاد في حجبه فقد زاد في نصبه فإنه ما يعطيه الله شيئا إلا ويأمره بحفظه وتقوى الله فيه ولا سيما في دار التكليف وإنما قيدناه بهذا القيد لقوله تعالى لسليمان ع هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب مع كونه عن سؤال بقوله هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي يريد المجموع لأنه ورد أن أصحاب الجد محبوسون لأنهم خرجوا عن أصولهم فإن أصلهم الفقر فما أثنى عليهم إلا بالذلة
(٤٣٩)