كان أنبته من الأرض نباتا وجعل من نشأته أحياء وأمواتا فما أحس منه فهو الحي وما لم يحس منه فهو الميت وهذا نعت هذا البيت عمره بالقوى وأسكنه العقل والهوى ثم قال له لا تتبع الهوى فهوى وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى وما تركه سدى فأغاظ الله به الأعداء وأفرح به الملائكة الأوداء فتلقى من ربه الكلمات وكانت له من أعظم الهبات فتحقق بحقائق المحبة ورجع إلى ما كان عليه من المنزلة والقربة وهذا حكم سار في الذرية أعطته هذه البنية فما ثم إلا من هم ولم وإن كان الموجود الأتم فاعلم إن كنت تعلم ومن ذلك الحكمة نعمة من الباب 173 من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وكان الله به لطيفا خبيرا لطيفا من حيث إنه علمه من حيث لم يعلم فعلم وما علم إن الله هو المعلم والحجب له في علمه وتعلمه وحجبه عن ذلك بقلمه فظهر له في صورة القلم وقال اقرأ وربك الأكرم فاختبره فكان خبيرا وكان الله على كل شئ قديرا فمن سأل الحكمة فقد سأل النعمة ومن أعطى الحكمة فقد أوتي الرحمة فإن سرمد العذاب بعد ذلك هذا المالك فما هو ممن عمت وجوده الرحمة ولا كان عند أهل الكشف والوجود من أهل الحكمة فإن قال بالرجوع إليها وحكم بذلك عليهم وعليها فذلك الحكيم العليم المسمى بالرؤوف الرحيم وهو الشديد العقاب لأنه لشدته في ذلك أعقب أهل النار حسن المآب ومن ذلك الكيمياء تقدير عند الخبير من الباب 174 الكم تقدير موجود ومتوهم فمن فاز به نال قلب الأعيان وتحكم كما يشاء في الأكوان في عالم الأرواح والأبدان فهو صاحب الإكسير الذي حاز علم التدبير والتقدير بكلمة ينير الأجسام المظلمة انظر إلى كلمة كن في الوجود كيف ألحقت المعدوم بالموجود ولا تتوجه هذه الكلمة على الموجود بالعدم فإنه ليس لها في الرد إلى العدم قدم لأنها كلمة وجودية تطلبها الربوبية والعبودية لحصول الأعيان في الأكوان ولهذا يقال فيمن عدم قد كان فالعدم لمن انعدم نفسي والوجود كرم إلهي امتناني فالذي ذهب إليه بعض أهل الكلام في هذه الأقسام من انعدام العرض لنفسه لا الأجسام ليكون الخالق خالقا على الدوام وأما أهل الحسبان فقالوا بتجدد جميع الأعيان في كل زمان وما خصوا عينا من عين ولا كونا من كون ومن علم إن المتحيزات كلها قامت من الأعراض جمع بين المذاهب والأغراض ومن ذلك سر الطلب من الأدب من الباب 175 لا يتأدب مع الله حق الأدب إلا من تحقق بالطلب ما أوجدك إلا لتسأل فأنت الفقير الأذل فتسأله العزة والغني لتحوز عموم الثناء فكل ما يثنى عليك به فهو الثناء المحمود فأنت الذليل الفقير الفقيد وأنت العزيز الغني الحميد فما ثم هجا بالنظر إليك وما هنا جفا جفاه الحق عليك فإنه تعالى كما قال عن نفسه لست برب جاف وهذا القول كاف ولا يليق بالجناب الإلهي من الثناء إلا مثل العزيز الحميد لا بكل ما يثنى به على العبيد فالعبد له عموم الثناء بما يحمد وما يذم به من جميع الأسماء وللحق من هذا الثناء الخصوص بذا وردت النصوص القالة إن يد الله مغلولة قالة معلولة ومن قال إنه فقير فهو الكفور وهذا في العبد ثناء حميد فهو أكمل في الوجود ثم إنه قد يذم بما به يحمد على حسب ما يعتقده القائل ويقصد كالبخل بالدين والمال والحرص على طلب الفاني والعلم والعمل الذي يستعذبه في المال فتأمل ما أنعم الله به وتفضل ومن ذلك الندب أدب من الباب 176 الندب أثر والأدب في سلوك الأثر من اتبع هواه ما بلغ مناه لا بد أن يبلغ ما تمناه ولو اتبع هواه فإن رحمة الله واسعة وهي للكل جامعة لا تحكم عليها دار ولا يختص بها قرار من قرار الموجودات كلها أبناؤها فكيف يقوض بناؤها فما ثم إلا إحسانها وآلاؤها هي الأم أدرجت نعماها في تأديبها أبناها فعقوبتها أدب لا يشعر به من الأبناء إلا العلماء فكن في أمان لعموم الايمان فإنه قد ورد الايمان بالحق كما ورد بالباطل فجيد كل مؤمن حال غير عاطل وكان حقا علينا نصر المؤمنين فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين فإنك إذا تيقنت علمت بمن آمنت فالأدب جماع الخير لاشتقاقه من المأدبة وأعظم المتنعمين بها يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ومن ذلك أعز الأحباب الأصحاب من الباب 177 قيل من أحب الناس إليك وأعزهم لديك قال أخي إذا كان صاحبي وصديقي وكان في كل ما أنا فيه رفيقي
(٣٦٥)