منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٨٢
فتوى الفقيه تكون بنحو صرف الوجود، ومع اتفاق الفتويين يكون الجامع بينهما حجة، نظير الخبرين القائمين على حكم واحد، فكما أنه لا يجب على المجتهد أن يستند إلى أحدهما بعينه في استنباط الحكم، بل يكفيه الاستناد في ذلك إلى الجامع بينهما، فكذا في الفتويين المتوافقتين بالنسبة إلى العامي. وعليه فالبحث عن موافقة الفتويين قليل الجدوى.
وإن كان المقلد عالما بمخالفة الفتويين في المسائل المبتلى بها كإفتاء أحدهما بوجوب السورة والاخر بعدمه، وبطهارة الغسالة و نجاستها، واعتبار العربية في العقد وعدمه، وهكذا، فالمعروف في هذا الفرض - بل المدعى عليه الاجماع - هو وجوب تقليد الأعلم عليه، وقد اختاره الشيخ الأعظم (قده) كما تقدم في صدر المسألة.
ولعل الأولى التفصيل بين موافقة فتوى المفضول للاحتياط أو لمن هو أعلم من الاحياء والأموات أو للمشهور بين الأصحاب، وعدم موافقتها لذلك، بوجوب العمل بفتوى المفضول في الصورة الأولى، إلا بناء على سقوط حجية فتوى الميت من جميع الجهات حتى من جهة المرجحية، فتبقى الموافقة للاحتياط مرجحة أو موجبة لعرضية فتويي الفاضل والمفضول، لكون الاحتياط مؤمنا، بل لا يبعد حينئذ أن يكون بناء العقلاء على تقديم فتوى المفضول على فتوى الفاضل، فيصير التقديم اجتهاديا لا احتياطيا.
وإن كان المقلد جاهلا بمخالفة الفتويين في المسائل الابتلائية، بأن يحتمل كلا من الموافقة والمخالفة، فينبغي لتوضيح حكمه التعرض لجهتين: إحداهما: ما يقتضيه الأصل العملي، وثانيتهما:
ما يقتضيه الدليل الاجتهادي.
أما الجهة الأولى فمحصل الكلام فيها: أن مقتضى ما تقدم من تنجز الاحكام الواقعية بالعلم الاجمالي - وكون حجية فتاوى المجتهدين من باب التعذير دون التنجيز - هو معذرية فتوى الأعلم قطعا، دون فتوى المفضول، للشك في معذريتها الموجب لعدم حكم العقل بالاجتزاء بها في فراغ الذمة وسقوط التكليف، بل حكمه بذلك مختص بالعمل بفتوى الأعلم، فهي حجة تعيينية لا تخييرية.
وليس المقام من دوران الامر بين المطلق والمقيد حتى يجري الأصل في عدم وجوب المقيد كما تقدم مفصلا في (ص 580).
وأما الجهة الثانية فملخص البحث فيها: أنه قيل بعدم الجواز، استنادا إلى ما استدلوا به على عدم