منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٨٨
هو في الادراك، لأنه في أحدهما قطعي وفي الاخر ظني.
أم المراد بالأعلم من هو أسرع استنباطا من غيره، كما إذا فرض أن الأعلم يستنبط حكم مسألة في نصف ساعة، وغيره يستنبطه في ساعة مثلا، فالمراد بالأعلم حينئذ هو أسرع استنباطا من غيره.
أم المراد به من هو أكثر استنباطا من غيره، كما إذا فرض أنه استنبط حكم ألف مسألة، وغيره استنبط حكم تسعمائة مسألة، فمن استنبط الألف فهو أعلم ممن استنبط أقل من ذلك، فالمدار في الأعلمية حينئذ على أكثرية عدد الاحكام المستنبطة فعلا.
أم المراد به من يكون أشد مهارة من غيره في تطبيق الكبريات على صغرياتها، وتشخيص موارد الأصول حتى لا يجري أصل البراءة مثلا في مورد قاعدة الاشتغال وبالعكس. ولا يجري الأصل المسببي مع وجود الأصل السببي، وهكذا.
لا سبيل إلى ما عدا الأخير، إذ في الأول: أن المدار في الاجتهاد إنما هو على الاستنباط الفعلي من الأدلة، دون تشييد المباني وتنقيح القواعد مع عدم الاقتدار على تطبيقها على الفروع، فإنه اجتهاد في مقدمات الاستنباط، وليس اجتهادا في نفس الفروع، فالأصولي الذي يستفرغ وسعه في تحرير القواعد الأصولية وتهذيبها - ولكنه قاصر عن تطبيقها على الفروع - ليس بأعلم ممن يقدر على التطبيق المزبور وإن لم يكن مثله في تحرير القواعد الأصولية.
وفي الثاني: أن الجزم بالحكم المستنبط ليس مناطا للأعلمية، بل المناط هو القدرة على إقامة الحجة على الحكم، فمن اقتدر على إقامة الحجة على الحكم دون غيره فهو أعلم، سواء حصل له الجزم بالحكم أم الظن به، فلا عبرة بشدة الانكشاف وضعفه.
وفي الثالث: أنه لا عبرة بأسرعية الاستنباط مع فرض تساويهما في كيفيته واستخراج الفروع من الأصول، إذ لا دخل لسرعة الاستنباط لا عقلا ولا ببناء العقلاء في أمر التقليد.
وفي الرابع: أن كثرة عدد الاحكام المستنبطة ليست مناطا للأعلمية مع فرض كون غيره أجود استنباطا منه، وإن كان عدد ما استنبطه من الاحكام قليلا، فان مجرد كثرة الاستنباط مع أجودية استنباط غيره لا توجب العذر والامن من العقوبة عقلا بحيث يحكم بالاجزاء، بل الموجب لهما في نظره هو الأجودية.
فالمتعين هو الاحتمال الأخير، فإن الأعلم في سائر الفنون أيضا من يكون أشد مهارة في تطبيق