قلت: لا مانع من أن تكون العلة في التقصير في هذه المواضع هو التقية وأنه قد يتبدل الحكم بوجود عارض وأمر آخر كما في هاتين الروايتين من الخروج من المسجد على هذه الحال، وحينئذ فيكون الاتمام هنا مخصوصا بهؤلاء الذين كانوا يفعلون ذلك، ومن الظاهر أن التقية هنا أشد لأن خروجهم عند دخول المخالفين ربما كان موجبا لهم الخروج عن الدين في اعتقاد أولئك المعاندين فلذا أمرهم عليه السلام بالاتمام الذي هو أقل مفسدة، ولا يخفى أن أجوبتهم (عليهم السلام) تدور مدار المصالح التي تقتضيها الحال، فلا إشكال في هذا المجال كما لا يخفى على ذوي الكمال.
ثم إن من جملة من رجح ما رجحناه واختار ما اخترناه من حمل أخبار القصر في هذه المسألة على التقية جملة من مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين:
منهم - شيخنا المجلسي في البحار ونقله فيه أيضا عن الفاضل العلامة المحقق المولى عبد الله الشوشتري، واختاره أيضا المحدث الكاشاني في الوافي والشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل، ولكن أحدا منهم لم يعط المسألة حقها من التحقيق كما أوضحناه بحمد الله سبحانه مانح التوفيق، ولا تجد لأمثال هذه التحقيقات ذكرا في غير كتبنا وزبرنا، ولله سبحانه الحمد والمنة بذلك. والله العالم بحقائق أحكامه ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.
تنبيهات الأول - في تحقيق المكان الذي يستحب فيه الاتمام من هذه المواضع الأربعة والكلام هنا يقع في مواضع ثلاثة:
الأول - في الحرمين الشريفين وقد اختلفت كلام الأصحاب هنا في أنه البلد في كل منهما أو المسجد كذلك أو الحرم؟ المشهور الأول، وذهب ابن إدريس إلى الثاني فخص الحكم بالمسجدين وهو مختار العلامة في المختلف والشهيدين في اللمعة وشرحها والروض، وظاهر كلام الشيخ في التهذيب الثالث حيث قال: ويستحب إتمام الصلاة في الحرمين فإن فيه فضلا كثيرا. ثم قال ومن حصل بعرفات فلا يجوز