أقول: قد عرفت أنه لا يخفى ما في إحالة الأحكام الشرعية على العرف من الاشكال، فإنا لا نجد لهذا العرف معنى إلا باعتبار ما يتصوره مدعيه في كل مقام ويزعم أن كافة الناس على ما ارتسم في خاطره فيحمل عليه الأحكام، وإلا فتتبع الأقطار والأمصار ومعرفة ما عليه عرف الناس وعادتهم في تلك الأمور التي علقوها على العرف أمر متعذر البتة، هذا مع ما علم يقينا من اختلاف العادات والعرف باختلاف الأقاليم والبلدان. وبالجملة فإناطة الأحكام الشرعية بالعرف مع ما عرفت من كونه لا دليل عليه لا يخلو من الاشكال، والمفهوم من أخبارهم (عليهم السلام) أنه مع ورود لفظ مجمل في أخبارهم فإنه يجب الفحص عن معناه المراد به عنهم ومع تعذر الوقوف على ذلك فالواجب الأخذ بالاحتياط والوقوف على سواء ذلك الصراط.
ويمكن هنا أن يقال إن لفظ الاستيطان وإن كان مجملا في أكثر الأخبار إلا أن صحيحة ابن بزيع قد صرحت بأن المراد به إقامة ستة أشهر، والمجمل يحمل على المفصل والمطلق على المقيد فلا اشكال.
وأما ما يفهم من كلام الصدوق ومن تبعه في هذا المقام - من وجوب الستة في كل سنة استنادا إلى إفادة المضارع التجدد - ففيه أن الظاهر بمعونة الأخبار الكثيرة الدالة على مطلق الاستيطان إنما هو أن المراد بذلك أنه لا يكفي في صدق الاستيطان المرة والمرتان بل لا بد من تجدده واستمراره على وجه لا يتركه تركا يخرج به عن الاسم المذكور، وأقل ما يحصل به ذلك من المراتب إقامة الستة مرة واحدة حيث إنه لم يعين في تلك الأخبار الكثيرة مدة للتحديد بل جعل المناط هو التحديد الذي يكون سببا لعدم زوال اسم الاستيطان، وفي الصحيحة المذكورة أوضحه وعينه بكون أقل ذلك مدة الستة الأشهر. وبذلك يظهر أنه لا دلالة في الرواية على ما توهموه من اعتبار إقامة الستة في كل سنة. والله العالم.
ومنها - أنه لا يشترط في الستة الأشهر التوالي بل يكفي ولو كانت متفرقة.
وهو جيد، وذلك فإن الحكم بالتمام في الأخبار المتقدمة علق على مطلق الاستيطان