الأمر بالاتمام إنما وقع تقية وكذلك صحيحته الأخيرة وهي التاسعة والعشرون.
قلت: لا يخفى أن هاتين الروايتين من جملة الروايات الدالة على وجوب التقصير حتما كما في سائر المواضع، وقد تقدم البحث فيهما في المقام الأول من الشرط الرابع من شروط التقصير (1).
وبيانه زيادة على ما تقدم أنه لما أجابه الإمام عليه السلام في الصحيحة الأولى بأنه لا يتم في الحرمين حتى يجمع على مقام عشرة أيام اعترضه السائل بأن أصحابنا قد رووا عنك أنك أمرتهم بذلك بالتمام في ذينك الموضعين وإن لم يقيموا عشرة أجاب عليه السلام بأني لم آمرهم بالتمام في هذه الصورة من حيث شرف البقعة الموجب للتمام في جملة الأيام وإنما أمرتهم بذلك لمصلحة أخرى وهو دفع الضرر عنهم بما كانوا يفعلونه يومئذ، حيث إنهم مع عدم إقامة العشرة كانوا يقصرون فيخرجون من المسجد والناس يستقبلونهم داخلين للصلاة وهذا من ما يوجب الضرر عليهم فأمرتهم بالاتمام وإن لم يقيموا عشرة لدفع ذلك عنهم. ومنه يعلم أن الاتمام هنا غير الاتمام المدعى في أصل المسألة لأن هذا خاص بهؤلاء المذكورين لهذه العلة وذلك الاتمام الذي في أصل المسألة عام.
قال الشيخ (رحمه الله) بعد نقل الخبر الأول من هذين الخبرين وكلام في البين ما لفظه: ويكون قوله عليه السلام لمن كان يخرج عند الصلاة من المسجد ولا يصلي مع الناس أمرا على الوجوب ولا يجوز تركه لمن كان هذا سبيله لأن فيه دفعا للتقية واغراء بالنفس وتشنيعا على المذهب. انتهى. ومرجعه إلى أن الاتمام المأمور به في أصل المسألة تخييري وأنه أفضل الفردين وهذا الاتمام المذكور في هذين الخبرين حتمي لا يجوز تركه لما ذكره (قدس سره).
فإن قلت: إن حمل الاتمام على التقية في هذين الخبرين ينافي ما ذكرتم من حمل التقصير على التقية ومن جملة ما دل على ذلك صدر الخبرين المذكورين.