إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو تقييد أخبار الملك وأخبار المنزل بالاستيطان ستة أشهر في وجوب الاتمام بالوصول إليهما وانقطاع السفر بهما، والذي ظهر لي من الأخبار بعد التأمل فيها بعين الفكر والاعتبار هو اختصاص الاستيطان بالمنزل دون مجرد الملك، وذلك فإن أخبار الضياع والأملاك إنما اختلفت في أنه هل يجب الاتمام بمجرد الوصول إليها كما دل عليه الخبر الأول والثاني والثالث والرابع والخامس لو أنه لا بد من مقام عشرة فيها وبدونه يجب التقصير كما دل عليه الخبر السادس والسابع وصدر الخبر الثالث عشر؟
وأما الاستيطان فإنما ورد في أخبار المنازل خاصة كما عرفت من روايات علي بن يقطين وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع، وليس فيها ما ربما يوهم انسحابه إلى الملك إلا الرواية العاشرة، حيث اشتمل السؤال فيها على الدار والضيعة وأجيب بأنه إن كان من ما قد سكنه أتم فيه الصلاة. ويمكن الجواب بصرف ذلك إلى الدار بخصوصها كما هو منطوق ما ذكرناه من أخبار المنزل ولا سيما الرواية الثالثة عشرة فإنها كالصريحة في ما ذكرناه من التفصيل، إذ ظاهرها كما ترى بالنسبة إلى الضياع أنه يقصر فيها ما لم يقم عشرة أيام وبالنسبة إلى المنازل أنه يقصر فيها أيضا ما لم يستوطنها على الوجه المذكور فيها، ولو كان قيد الاستيطان معتبرا في الضياع كما يدعونه لعطفه على إقامة العشرة ولم يخصه بالمنازل. ويؤيده أن المقام مقام البيان فلو كان الحكم كذلك لأشار إليه في الخبر أو غيره. ويؤكده أيضا النظر إلى العرف فإن الاستيطان مثل المدة المذكورة إنما يكون في المنازل والدور. وأما ما ذكره الأصحاب من الاكتفاء بالاستيطان في بلد الملك وإن كان في غير منزله فهو كالأصل الذي فرعوه عليه حيث عرفت أنه لا مستند له فكذا ما يرجع إليه. وبالجملة فصحيحة ابن بزيع المذكورة ظاهرة الدلالة في ما ذكرناه حيث خص الضياع بوجوب التقصير ما لم ينو مقام عشرة أيام والمنزل بوجوب التقصير ما لم يحصل الاستيطان.
وظاهر شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده) في الفقيه الافتاء بالصحيحة