أخبار القسم الثالث من أخبار الأربعة، فإنها صريحة الدلالة ناطقة المقالة في تحتم التقصير ووجوبه بقصد الأربعة مع عدم الرجوع في يومه.
وأما ثانيا - فلأن هذه العبارة إنما خرجت مخرج التجوز في دفع الاستبعاد الذي توهمه السائل، حيث إنه لما كان المعهود عنده والشائع هو التقصير في مسيرة يوم بريدين تعجب من افتاء الإمام عليه السلام بالبريد الواحد فأجاب عليه السلام بأن هذا المسافر إلى مسافة البريد متى رجع حصل من ذهابه وإيابه قدر مسير يوم، فلا دلالة على الرجوع من يومه حتى أنه لا يتحتم القصر إلا بذلك، والغرض إنما هو بيان أن مسافة الأربعة إنما اعتبرت من حيث الذهاب والاياب فهي في حكم اليوم والثمانية الفراسخ والبريدين التي اتفقت الأخبار على وجوب التقصير فيها، كما يشير إليه قوله عليه السلام في صحيحة زرارة وصحيحة معاوية بن وهب " بريد ذاهبا وبريد جائيا " وقوله عليه السلام في صحيحة زرارة حكاية عن رسول الله صلى الله عليه وآله " وإنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ ".
وبالجملة فإن الرواية المذكورة لا ظهور لها فضلا عن الصراحة في ما ادعوه، ولا بد من حملها على ما ذكرناه لتنتظم به مع أخبار القسم الثالث التي قد عرفت أنها أرجح منها عددا وسندا ودلالة.
قال في المدارك: وأما رواية محمد بن مسلم فإنها وإن كانت مشعرة بذلك إلا أنها غير صريحة فيه، بل ربما لاح منها أن التعليل - بكونه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا شغل يومه - إنما وقع على سبيل التقريب إلى الأفهام كما يشعر به اطلاق التقصير في البريد أولا. انتهى.
وأما ما ذهب إليه الصدوقان والشيخ المفيد ومن تبعهم من القول الثاني من الأقوال المتقدمة فالكلام معهم بالنسبة إلى ما ذهبوا إليه من تخصيص وجوب التقصير بالرجوع ليومه، وقد عرفت من ما دفعنا به القول الأول أنه لا دليل عليه بل الأدلة الصحيحة الصريحة ترده. وكذلك بالنسبة إلى ما ذهبوا إليه من التخيير