لا يراه أهل البيوت، والمراد بالتواري عن البيوت أي من أهل البيوت بتقدير مضاف كما في قوله عز وجل " واسأل القرية.. " (1) أي أهل القرية. هذا هو ظاهر اللفظ بغير اشكال وبه يقرب مقتضى هذا الخبر ونحوه من خبر خفاء الأذان فإن توارى المسافر عن أهل البلد وخفاء الأذان متقاربان ولا يضر التفاوت اليسر، فإن مدار أمثال هذه الأمور في الشرع على التقريب كما هو كذلك عرفا وتبادرا.
وأما ما ذكره الأصحاب - من حمل الخبر على خفاء البيوت عن المسافر حملا لقوله " إذا توارى من البيوت " على معنى تواري البيوت عنه - فمع كونه خلاف ظاهر اللفظ المذكور لا يخفى ما فيه من التفاوت الفاحش بين العلامتين المذكورتين، فإنه بعد أن يخفى عليه سماع الأذان لا يخفى عليه جدران البلد إلا بعد مسافة زائدة كما هو ظاهر لمن تأمل.
والسبب في اختلاف الأقوال هنا هو اختلاف الأفهام في الجمع بين أخبار المسألة، فبعضهم جمع بالتخيير كما ذكرناه إلا أنه بناء على القول المشهور لا يخلو من اشكال كما عرفت، وبعض كالمرتضى والشيخ في الخلاف ومن تبعهما جمعوا بين الخبرين بتقييد كل منهما بالآخر، فيلزم ارتكاب التخصيص في كل منهما، وهو بعيد جدا بقرينة الاكتفاء بأحدهما في كل من الخبرين فهو في قوة تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وأما من ذهب إلى الاعتماد على الأذان المتوسط دون التواري فلعله لتعدد رواياته وكونه أضبط لاعتباره الأذان المتوسط مع اختلاف البيوت والجدران في سرعة الخفاء وعدمها بحيث يرى بعضها من أزيد من فرسخ، وللتفاوت الفاحش بين خفاء الأذان والجدران كما أشرنا إليه آنفا. والحق هو ما ذكرناه من التخيير بناء على المعنى الذي فهمناه من الخبر.
وأما ما نقل عن الشيخ علي بن بابويه فقيل إن وجهه الاعتماد على ما رواه