(فصل) وإذا وقعت النجاسة في غير الماء وكان مائعا نجس، وإن كان جامدا كالسمن الجامد أخذت النجاسة بما حولها فألقيت والباقي طاهر لما روت ميمونة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال " القوها وما حولها وكلوا سمنكم " رواه البخاري، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال " إن كان جامدا فالقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه " أخرجه الإمام أحمد في مسنده واسناده على شرط الصحيحين (1) وحد الجامد الذي لا تسري النجاسة إلى جميعه هو المتماسك الذي فيه قوة تمنع انتقال أجزاء النجاسة عن الموضع الذي وقعت عليه النجاسة إلى ما سواه قال المروذي قيل لأبي عبد الله في الدوشاب يعني يقع فيه نجاسة؟ قال إذا كان كثيرا أخذوا ما حوله مثل السمن. وقال ابن عقيل: حد الجامد ما إذا فتح وعاؤه لم تسل أجزاؤه، وظاهر ما رويناه عن أحمد خلاف هذا فإن الدوشاب لا يكاد يبلغ هذا، وسمن الحجاز لا يكاد يبلغه والمقصود بالجمود أن لا تسري أجزاء النجاسة وهذا حاصل بما ذكرنا فيقتصر عليه.
(فصل) وإن تنجس العجين ونحوه فلا سبيل إلى تطهيره لأنه لا يمكن غسله، وكذلك أن نقع السمسم أو شئ من الحبوب في الماء النجس حتى انتفخ وابتل لم يطهر قيل لأحمد في سمسم نقع في تغار فوقعت فيه فأرة فماتت، قال لا ينتفع بشئ منه، قيل أفيغسل مرارا حتى يذهب ذلك الماء؟ قال أليس قد ابتل من ذلك الماء لا ينقى منه وإن غسل - إذا ثبت هذا فإن أحمد قال في العجين والسمسم يطعم النواضح ولا يطعم لما يؤكل لحمه، يعني لما يؤكل لحمه قريبا، وقال مجاهد وعطاء والثوري وأبو عبيد: يطعم الدجاج، وقال مالك والشافعي يطعم البهائم، وقال ابن المنذر لا يطعم شيئا لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن شحوم الميتة تطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس فقال " لا، هو حرام " متفق عليه وهذا في معناه.
ولنا ما روى أحمد باسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن قوما اختبزوا من آبار الذين ظلموا أنفسهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اعلفوه النواضح " واحتج به أحمد وقال في كسب الحجام " أطعمه ناضحك أو رقيقك " وقال أحمد ليس هذا بميتة يعني ان نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تناول الميتة وليس هذا بداخل في النهي ولا في معناها، ولان استعمال شحوم الميتة فيما سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم يفضي إلى تعدي نجاستها واستعمال ما دهنت به من الجلود فيكون مستعملا للنجاسة وليس كذلك ههنا فإن نجاسة هذا لا تتعدى أكله، قال أحمد ولا يطعم لشئ يؤكل في الحال ولا يحلب لبنه لئلا يتنجس به ويصير كالجلال.