نوى المفروضة انصرفت النية إلى الحاضرة والصحيح أنه لابد من التعيين والألف واللام هنا للمعهود كما ذكرنا والحضور لا يكفي عن النية بدليل أنه لم يغن عن نية المكتوبة وقد يكون عليه صلوات فلا تتعين إحداهن بدون التعيين. فأما الفائتة فإن عينها بقلبه أنها ظهر اليوم لم يحتج إلى نية القضاء ولا الأداء بل لو نواها أداء فبان أن وقتها قد خرج وقعت قضاء من غير نية، ولو ظن أن الوقت قد خرج فنواها قضاء فبان أنها في وقتها وقعت أداء من غير نية كالأسير إذا تحرى وصام شهرا يريد به شهر رمضان فوافقه أو ما بعده أجزأه. وان ظن أن عليه ظهرا فائتة فقضاها في وقت ظهر اليوم ثم تبين أنه لا قضاء عليه فهل يجزئه عن ظهر اليوم؟ يحتمل وجهين (أحدهما) يجزئه لأن الصلاة معينة وإنما أخطأ في نية الوقت فلم يؤثر كما إذا اعتقد أن الوقت قد خرج فبان أنه لم يخرج أو كما لو نوى ظهر أمس وعليه ظهر يوم قبله (والثاني) لا يجزئه لأنه لم ينو عين الصلاة فأشبه ما لو نوى قضاء عصر لم يجزه عن الظهر ولو نوى ظهر اليوم في وقتها وعليه فائتة لم يجزه عنها ويتخرج فيها كالتي قبلها. فأما إن كانت عليه فوائت فنوى صلاة غير معينة لم يجزه عن واحدة منها لعدم التعيين ولو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها لزمه خمس صلوات ليعلم أنه أدى الفائتة ولو نسي صلاة لا يدري أظهر هي أم عصر لزمه صلاتان فإن صلى واحدة ينوي أنها الفائتة لم يجزه لعدم التعيين.
(فصل) فأما النافلة فتنقسم إلى معينة كصلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح والوتر والسنن الرواتب فيفتقر إلى التعيين أيضا وإلى مطلقة كصلاة الليل فيجزئه نية الصلاة لا غير لعدم التعيين فيها (فصل) وإذا دخل في الصلاة بنية مترددة بين اتمامها وقطعها لم تصح لأن النية عزم جازم ومع التردد لا يحصل الجزم. وان تلبس بها بنية صحيحة ثم نوى قطعها والخروج منها بطلت وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا تبطل بذلك لأنها عبادة صح دخوله فيها فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج ولنا أنه قطع حكم النية قبل اتمام صلاته ففسدت كما لو سلم ينوي الخروج منها ولان النية شرط في جميع الصلاة وقد قطعها بما حدث ففسدت لذهاب شرطها. وفارقت الحج فإنه لا يخرج منه بمحظوراته ولا بمفسداته بخلاف الصلاة. فأما ان تردد في قطعها فقال ابن حامد: لا تبطل لأنه دخل فيها بنية متيقنة فلا تزول بالشك والتردد كسائر العبادات. وقال القاضي: يحتمل أن تبطل وهو مذهب الشافعي لأن استدامة النية شرط مع التردد لا يكون مستديما لها فأشبه ما لو نوى قطعها.
(فصل) والواجب استصحاب حكم النية دون حقيقتها بمعنى أنه لا ينوي قطعها ولو ذهل عنها وعزبت عنه في أثناء الصلاة لم يؤثر ذلك في صحتها لأن التحرز من هذا غير ممكن ولان النية لا تعتبر حقيقتها في أثناء العبادة بدليل الصوم وغيره وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا أقيمت الصلاة أدبر الشيطان، وله حصاص فإذا قضي التثويب أقبل يخطر بين المرء ونفسه يقول: أذكر كذا، أذكر كذا حتى يظل أحدكم أن يدري كم صلى " متفق عليه ورواه مالك في الموطأ. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه صلى صلاة فلم يقرأ فيها فقيل له إنك لم تقرأ فقال: اني جهزت جيشا للمسلمين حتى بلغت به وادي القرى.