فانتفعوا به " متفق عليه ولأنه إنما نجس باتصال الدماء والرطوبات به بالموت، والدبغ يزيل ذلك فيرتد الجلد إلى ما كان عليه في حال الحياة، ولنا ما روى عبد الله بن عكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة " اني كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب " رواه أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده، وقال الإمام أحمد اسناد جيد يرويه يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم وفي لفظ " أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر أو شهرين " (1) وهو ناسخ لما قبله لأنه في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه دال على سبق الترخيص وأنه متأخر عنه لقوله " كنت رخصت لكم " وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قيل هذا مرسل لأنه من كتاب لا يعرف حامله قلنا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كلفظه ولولا ذلك لم يكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد وقد كتب إلى ملوك الأطراف وإلى غيرهم فلزمتهم الحجة به وحصل له البلاغ ولو لم يكن حجة لم تلزمهم الإجابة ولا حصل به بلاغ ولكان لهم عذر في ترك الإجابة لجهلهم بحامل الكتاب وعدالته، وروى أبو بكر الشافعي باسناده عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تنتفعوا من الميتة بشئ " واسناده حسن ولأنه جزء من الميتة فكان محرما لقوله تعالى (حرمت عليكم الميتة) فلم يطهر بالدبغ كاللحم ولأنه حرم بالموت فكان نجسا كما قبل الدبغ وقولهم انه إنما نجس باتصال الدماء والرطوبات به غير صحيح لأنه لو كان نجسا لذلك لم ينجس ظاهر الجلد ولا ما ذكاه المجوسي والوثني ولا ما قد نصفين ولا متروك التسمية لعدم علة التنجيس ولوجب الحكم بنجاسة الصيد الذي لم تنسفح دماؤه ورطوباته ثم كيف يصح هذا عند الشافعي وهو يحكم بنجاسة الشعر والصوف والعظم؟ وأبو حنيفة يطهر جلد الكلب وهو نجس في الحياة.
(٥٦)