ذلك كله مما بين طرفي النهر فإن كانت النجاسة ممتدة فلكل جزء منها مثل تلك الجرية المعتبرة للنجاسة القليلة. ولا يجعل جميع ما يحاذيها جرية واحدة لئلا يفضي إلى تنجيس الماء الكثير بالنجاسة القليلة ونفي التنجيس عن الكثير مع وجود النجاسة الكثيرة فإن المحاذي للكثيرة كثير فلا يتنجس، والمحاذي للقليلة قليل يتنجس فإننا لو فرضنا كلبا في جانب نهر وشعرة منه (1) في الجانب الآخر لكان المحاذي للشعرة لا يبلغ قلتين لقلة ما يحاذيها والمحاذي للكلب يبلغ قلالا. وقد ذكر القاضي وابن عقيل إن الجرية المحاذية للنجاسة فيما بين طرفي النهر. ويتعين حمله على ما ذكرنا لما بيناه.
فإن قيل فهذا يفضي إلى التسوية بين النجاسة الكثيرة والقليلة قلنا الشرع سوى بينهما في الماء الراكد وهو أصل فتجب التسوية بينهما في الجاري الذي هو فرع (2).
(فصل) فإن كان في جانب النهر ماء واقف مائل عن سنن الماء متصل بالجاري أو كان في أرض النهر وهدة فيها ماء واقف وكان ذلك مع الجرية المقابلة له دون القلتين نجسا جميعا بوجود النجاسة في أحدهما لأنه ماء متصل دون القلتين فينجس بها جميعه كالراكد، وإن كان أحدهما قلتين لم ينجس واحد منهما ماداما متلاقيين إلا بالتغير لأن القلتين تدفع النجاسة عن نفسها وعما لاقته، ثم لا يخلو من كون النجاسة في النهر أو في الواقف، فإن كانت في النهر وهو قلتان فهو طاهر على كل حال وكذلك الواقف، وإن كان دون القلتين فهو نجس قبل ملاقاته للواقف فإذا حاذاه طهر باتصاله به فإذا فارقه عاد إلى التنجس لقلته مع وجود النجاسة فيه. وان كانت النجاسة في الواقف لم ينجس بحال لأنه لا يزال هو وما لاقاه قلتين، فإن كان الواقف دون القلتين والجرية كذلك إلا أنهما بمجموعهما يزيدان عن القلتين وكانت النجاسة في الواقف لم ينجس واحد منهما لأنها مع ما تلاقيه أكثر من قلتين وإن كانت في النهر فقياس قول أصحابنا أن ينجس الواقف والجرية التي فيها النجاسة وكل ما يمر بعدها بالواقف لأن الجرية التي فيها النجاسة كانت نجسة قبل ملاقاة الواقف ثم تنجس بها الواقف لكونه ماء دون القلتين ورد عليه ماء نجس ولم تطهر الجرية لأنها بمنزلة ماء نجس صب على ما دون القلتين فلما صار الواقف نجسا نجس ما يمر عليه ويحتمل أن يحكم بطهارة الجرية حال ملاقاتها للواقف ولا يتنجس الواقف بها لأنه ماء كثير لم يتغير فلا ينجس لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شئ " وهذا مذهب الشافعي وهذا كله ما لم يتغير فإن تغير