(وصية) حكيم في صفة الحميم قيل لخالد بن صفوان أي الإخوان أحب إليك قال الذي يغفر زلتي وسد خلتي ويقيل علتي وكتب رجل إلى صديق له إني وجدت المودة منقطعة ما كانت الحشمة منبسطة وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة ولا تقع المؤانسة إلا بالبر والملاطفة بتنا ليلة عند أبي الحسين بن أبي عمرو بن الطفيل بإشبيلية سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وكان كثيرا ما يحتشمني ويلتزم الأدب بحضوري وبات معنا أبو القاسم الخطيب وأبو بكر ابن سام وأبو الحكم بن السراج وكلهم قد منعهم احترام جانبي الانبساط ولزموا الأدب والسكون فأردت أعمل الحيلة في مباسطتهم فسألني صاحب المنزل أن يقف على شئ من كلامنا فوجدت طريقا إلى ما كان في نفسي من مباسطتهم فقلت له عليك من تصانيفنا بكتاب سميناه الإرشاد في خرق الأدب المعتاد فإن شئت عرضت عليك فصلا من فصوله فقال لي أشتهي ذلك فمددت رجلي في حجره وقلت له كبسني ففهم عني ما قصدت وفهمت الجماعة فانبسطوا وزال ما كان بهم من الانقباض والوحشة وبتنا بأنعم ليلة في مباسطة دينية إفصاح بغالب الأحوال ممن يعد من الأبدال قال الحسن البصري ما أعطى رجل شيئا من الدنيا إلا قيل له خذه ومثله من الحرص وقال أشد الناس صراخا يوم القيامة رجل سن ضلالة فاتبع عليها ورجل سيئ الملكة ورجل فارع استعان بنعم الله على معاصيه (وصية) يا ولي راقب إيمانك وأضف إلى حسن صورته زينة العلم فإذا زينته به ظهر بصورة لم يكن عليها من الحسن فإذا أعجبك فأضف إليه زينة العمل بالعلم فتزيد حسنا إلى حسن فإذا تعشقت بصورة العمل لما ترى من حسنها ربما أداك ذلك إلى أن تحمل النفس فوق طاقتها فزين العمل بالرفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وقد قيل ما أضيف شئ إلى شئ أزين من حلم إلى علم وإذا سبك إنسان فانظر فيما سبك به فإن كان ما سبك به صفة فيك فلا تلمه فما قال إلا حقا ولم نفسك وأزل عنها تلك الصفة المذمومة واشكره على ما ظهر منه فلقد بالغ في نصحك وإن لم يقصده ولكن الله أنطقه فارع له ذلك وإن سبك بما ليس فيك فخذ ذلك منه تذكرة وتحذيرا يحذرك بما ذكره أن تذكره لئلا تتصف به فيما تستقبله من زمانك فقد نصحك على كل حال فإن صدق فيما قال فقل غفر الله لي ولك وللمسلمين وإن كذب فيما قال فقل غفر الله لك فلقد نبهتني على أمر ربما لولا تنبيهك وقعت فيه وأنشده هنيئا مريئا غير داء مخامر * لعزة من أعراضنا ما استحلت كانت لي كلمة مسموعة عند بعض الملوك وهو الملك الظاهر صاحب مدينة حلب رحمه الله غازي ابن الملك الناصر لدين الله صلاح الدين يوسف بن أيوب فرفعت إليه من حوائج الناس في مجلس واحد مائة وثمان عشرة حاجة فقضاها كلها وكان منها إني كلمته في رجل أظهر سره وقدح في ملكه وكان من جملة بطانته وعزم على قتله وأوصى به نائبه في القلعة بدر الدين أي دمور أن يخفى أمره حتى لا يصل إلى حديثه فوصلني حديثه فلما كلمته في شأنه طرق وقال حتى أعرف المولى ذنب هذا المذكور وأنه من الذنوب الذي لا تتجاوز الملوك عن مثله فقلت له يا هذا تخيلت أن لك همة الملوك وأنك سلطان والله ما أعلم أن في العالم ذنبا يقاوم عفوي وأنا واحد من رعيتك وكيف يقاوم ذنب رجل عفوك في غير حد من حدود الله إنك لدني الهمة فحجل وسرحه وعفا عنه وقال لي جزاك الله خيرا من جليس مثلك من يجالس الملوك وبعد ذلك المجلس ما رفعت إليه حاجة إلا سارع في قضائها لفوره من غير توقف كانت ما كانت يا وليي احبس نفسك عن القليل من الذم تأمن كثيره فإن النفس فيها لجاجة إذا نوزعت صدعت وإذا سكت عنها انقمعت قال الأحنف ابن قيس في هذا المعنى من لم يصبر على كلمة أسمع كلمات ورب غيظ قد تجر عنه مخافة ما هو أشد منه يا وليي والله ما عاقبت أحدا يجب على أدبه في حال غضبي فإذا ذهبت عني حالة الغضب والغيظ ورأيت المصلحة له في الأدب أدبته وأما ما يرجع إلي فأعفو عنه عن طيب نفس وعدم إقامة على دغل وحقد وابذل جهدي في إيصال خير إليه وأسارع إلى قضاء حوائجه وما أدري إني أقرضت أحدا قرضا وفي نفسي إني أطلبه منه فلا أطلبه وإن جاء به وأري حاجتي إليه آخذه منه ولا أعلمه وإن علمت أنه ضيق على نفسه فيه أنظرته إلى ميسرة هذا فيما يختص بنفسي وحكم العيال حكم الجار الأقرب له حق يطلبه أنا مأمور بإيصاله إليه إذا قدرت عليه يا وليي اعلم أن الحاكم لا بد إذا أرضى أحد الخصمين أن
(٥٣٩)