ما أقبح بالإنسان أن يخاف على ما في يده اللصوص فيخفيه ويمكن عدوه من نفسه بإظهاره ما في قلبه من سر نفسه أو سر أخيه جاور معي بمكة أظن سنة تسع وتسعين وخمسمائة رجل من أهل تونس يقال له عبد السلام بن السعرية وكانت عنده جارية اشتراها بمصر في الشدة التي وقعت بمصر سنة سبع وتسعين وخمسمائة فقال لها يا جارية أوصيك بأمرين حفظ السر والأمانة فقالت الجارية ما تحتاج فإني أعلم أن الشخص إذا كان أمينا شارك الناس في أموالهم وإذا كان حافظا للسر شاركهم في عقولهم فاستحسن هذا الجواب منها فسأل عنها فوجدها حرة قد بيعت في غلاء مصر فأعتقها وسرحها فرجعت إلى أمها وأخواتها وقال معاوية رضي الله عنه ما أفشيت سرى إلى أحد إلا أعقبني طول الندم وشدة الأسف ولا أودعته جوانح صدري إلا أكسبني مجدا وذكرا وسنا ورفعة فقيل له ولا ابن العاص فقال ولا ابن العاص لأن عمرو بن العاص كان صاحب رأى معاوية ومشيره ووزيره وكان يقول ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك يريد والله أعلم معاوية بهذا الكلام ما كان ينشدنا في أكثر مجالسه أبو بكر محمد بن خلف بن صاف اللخمي أستاذي في القراءات بمسجده بقوس الحنية من إشبيلية رحمه الله يوصينا بذلك احذر عدوك مرة * واحذر صديقك ألف مرة فلربما هجر الصديق * فكان أعرف بالمضرة وكان عمي أخو والدي ينشدني كثيرا للسميسر زمان يمر وعيش يمر * ودهر يكر بما لا يسر ونفس تذوب وهم ينوب * ودنيا تنادي بأن ليس حر ومن كلام النبوة في الوصية من كتم سره كانت الخيرة في يده ومن عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن وضع أمر أخيك على أحسنه ولا تظنن بكلمة خرجت منه سواء وما كافات من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله عز وجل فيه وعليك بإخوان الصدق فإنهم زينة عند الرخاء وعصمة عند البلاء (حكاية) تتضمن وصية حدثني أبو القاسم البجائي بمراكش عن أبي عبد الله الغزال العارف الذي كان بالمرية من إقران أبي مدين وأبي عبد الله الهوازي بتنس وأبي يعزى وأبي شعيب السارية وأبي الفضل اليشكري وأبي النجا وتلك الطبقة قال أبو عبد الله الغزال كان يحضر مجلس شيخنا أبي العباس بن العريف الصنهاجي رجل لا يتكلم ولا يسأل ولا يصحب واحدا من الجماعة فإذا فرع الشيخ من الكلام خرج فلا نراه قط إلا في المجلس خاصة فوقع في نفسي منه شئ ووقعت منه على هيبة فأحببت أن أتعرف به وأعرف مكانه فتبعته عشية يوم بعد انفصالنا من مجلس الشيخ من حيث لا يشعر بي فلما كان في بعض سكك المدينة إذا بشخص قد انقض عليه من الهواء برغيف في يده فناوله إياه وانصرف فجذبته من خلفه فقلت السلام عليك فعرفني فرد علي السلام فسألته عن ذلك الشخص الذي ناوله الرغيف فتوقف فلما علم مني أني لا أبرح دون أن يعرفني قال لي هو ملك الأرزاق يأتي إلي من عند الله كل يوم بما قدر لي من الرزق حيث كنت من أرض ربي ولقد لطف الله بي في بدأ أمري ودخولي إلى هذا الطريق إذا فرغت نفقتي وبقيت بلا شئ سقط علي من الهواء وبين يدي قدر ما أشتري به ما أحتاج إليه من القوت فأنفق منه فإذا فرع جاءني مثل ذلك من عند الله لكني ما كنت أرى شخصا قال تعالى في حق مريم ابنت عمران كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله (حكاية) حرمة في سلب نعمة مر زياد بن أمية بالحيرة فنظر إلى دير فقال لخادمه لمن هذا قال دير حرقة بنت النعمان بن المنذر فقال ميلوا بنا إليه نسمع كلامها فجاءت فوقفت خلف الباب فكلمها الخادم فقال لها كلمي الأمير قالت أوجز أم أطيل قال بل أوجزي قالت كنا أهل بيت طلعت الشمس علينا وما على الأرض أحد أعزمنا فما غربت تلك الشمس حتى رحمنا عدونا قال فأمر لها بأوساق من شعير فقالت أطعمتك يد شبعاء جاعت
(٥٥٠)