والله إن الرجل ليسرع في ماله فيستحق الحجر عليه فكيف بمن أسرع في مال المسلمين ثم مضى وهارون يبكي قال البغوي فبلغني إن هارون الرشيد كان يقول إني لأحب أن أحج كل سنة ما يمنعني الأرجل من ولد عمر يسمعني ما أكره (وصية) نبوية في موعظة إلهية قال رسول الله ص يقول الله تعالى يا ابن آدم كل يوم ترزقك وأنت تحزن وينقص كل يوم من عمرك وأنت تفرح أنت فيما يكفيك وتطلب ما يطغيك لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع (وصية) حج أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور فبينما هو يطوف بالبيت ليلا إذ سمع قائلا يقول اللهم إنا نشكوا إليك ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بين الحق وأهله من الطمع فخرج المنصور فجلس ناحية من المسجد ثم أرسل إلى الرجل فصلى ركعتين ثم استلم الركن وأقبل مع الرسول فسلم عليه بالخلافة فقال له المنصور ما الذي سمعتك تذكر قال إن أمنتني يا أمير المؤمنين أعلمتك بالأمور من أصولها وإلا اقتصرت على نفسي ففيها لي شغل شاغل قال فأنت آمن على نفسك فقال يا أمير المؤمنين إن الله استرعاك أمر عباده وأموالهم فجعلت بينك وبيتهم حجابا من الجص والآجر وأبوابا من الحديد وحراسا معهم سلاح ثم سجنت نفسك منهم وبعثت عمالك في جباية الأموال وجمعها وأمرت أن لا يدخل عليك من الناس إلا فلان وفلان ولم تأمر بإيصال المظلوم والملهوف إليك ولا أحد إلا وله في هذا المال حق فلما رآك النفر الذين استخلصتهم لنفسك وآثرتهم على رعيتك وأمرت أن لا يحجبوا دونك تجني الأموال وتجمعها قالوا هذا خان الله فما لنا لا نخونه فائتمروا ألا يصل إليك من علم أخبار الناس إلا ما أحبوه ولا يخرج لك عامل إلا خونوه عندك وعابوه حتى تسقط منزلته عندك فلما انتشر ذلك عنك وعنهم أعظمهم الناس وهابوهم وصانعوهم وكان أول من صانعهم عاملك بالهدايا والأموال ليبقوا بذلك عمالك على ظلم رعيتك ثم فعل ذلك ذو والمقدرة والأموال من رعيتك ليصلوا إلى ظلم من دونهم فامتلأت بلاد الله بغيا وفسادا وصار هؤلاء القوم شركاءك وأنت غافل فإن جاء متظلم حيل بينك وبينه وإن أراد رفع قضيته إليك وجدك قد نهيت عن ذلك ووقفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم فإن جاء ذلك المتظلم وبلغ بطانتك خبره سألوا صاحب المظالم أن لا يرفع مظلمته إليك فلا يزال المظلوم يختلف إليه ويلوذ به ويشكو ويستغيث ويدفعه فإذا جهد وخرج ظهر لك وصرخ بين يديك فضرب ضربا مبرحا يكون نكالا لغيره وأنت تنظر فلا تنكر فما بقاء الإسلام على هذا قال فبكى المنصور بكاء شديدا وقال ويحك كيف أحتال لنفسي قال يا أمير المؤمنين إن للناس أعلاما يفزعون إليهم في دينهم ويرضون بهم في دنياهم وهم العلماء وأهل الديانة فاجعلهم بطانتك يرشدوك وشاورهم يسدوك فقال قد بعثت إليهم فهربوا مني فقال خافوا إن تحملهم على طريقتك ولكن افتح بابك وسهل حجابك وانصر المظلوم واقمع الظالم وخذ الفئ والصدقات على وجوهها وأنا ضامن عنهم أنهم يأتونك ويسعدونك على صلاح الأمة ثم أذن بالصلاة فقام يصلي وعاد إلى مجلسه ثم طلب الرجل فلم يجده (وصايا نبوية) رويناها من حديث الهاشمي يبلغ بها النبي ص أنه قال أيها الناس أقبلوا على ما كلفتموه من إصلاح آخرتكم وأعرضوا عما ضمن لكم من أمر دنياكم ولا تستعملوا جوارح غذيت بنعمته في التعرض لسخطه بمعصيته واجعلوا شغلكم التماس مغفرته واصرفوا هممكم إلى التقرب إليه بطاعته إنه من بدأ بنصيبه من الدنيا فاته نصيبه من الآخرة ولا يدرك منها ما يريد ومن بدأ بنصيبه من الآخرة وصل إليه نصيبه من الدنيا وأدرك من الآخرة ما يريد (وصية منظومة) من ذي علم في الاعتذار إذا اعتذر الصديق إليك يوما * من التقصير عذر أخ مقر فصنه عن عتابك واعف عنه * فإن العفو شيمة كل حر (وصايا إلهية) يقول الله تعالى يا ابن آدم إذا ذكرتني شكرتني وإذا نسيتني كفرتني أنفق أنفق عليك أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي شفتاه لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له آمنين إن خافني في الدنيا لم يخف في الآخرة وإن أمنني في الدنيا لم يأمن في الآخرة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني يقول الله لأهون أهل النار عذابا لو أن لك ما في الأرض من غني كنت تفتدي به قال نعم قال فقد سألتك ما هو أهون
(٥٣٤)