يعضدون فإذا مررت فنادهم إن كنت مناديا ومر بعسكرهم وانظر إلى تقارب منازلهم واسأل عليهم ما بقي من غناه واسأل فقيرهم ما بقي من فقره وأسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون وعن الأعين التي كانوا بها ينظرون وأسألهم عن الجلود الرقيقة والوجوه الحسنة والأجساد الناعمة ما صنع بها الديدان محت الألوان وأكلت اللحمان وعفرت الوجوه ومحت المحاسن وكسرت الفقار وأبانت الأعضاء ومزقت الأشلاء وأين حجابهم وقبابهم وأين خدمهم وعبيدهم وجمعهم ومكنونهم والله ما فرشوا فراشا ولا وضعوا هناك متكأ ولا غرسوا لهم شجرا ولا أنزلوهم من اللحد قرارا أليسوا في منازل الخلوات والفلوات أليس الليل والنهار عليهم سواء أليس هم في مدلهمة ظلماء قد حيل بينهم وبين العمل وفارقوا الأحبة فكم من ناعم وناعمة أصبحوا ووجوههم بالية وأجساد لهم من أعناقهم نائية وأوصالهم متمزقة وقد سألت الحدقات على الوجنات وامتلأت الأفواه دما وصديدا ودبت دواب الأرض في أجسادهم ففرقت أعضاءهم ثم لم يلبثوا والله إلا يسيرا حتى عادت العظام رميما قد فارقوا الحدائق وصاروا بعد السعة إلى المضائق قد تزوجت نساؤهم وترددت في الطرق أبناؤهم وتوزعت الورثة ديارهم وتراثهم فمنهم والله الموسع له في قبره الغض الناضر فيه المتنعم بلذته يأسا كن القبر غدا ما الذي غرك من الدنيا هل تعلم أنك تبقي أو تبقي لك أين دارك الفيحاء ونهرك المطرد وأين ثمرتك الحاضرة ينعها وأين رقاق ثيابك وأين طيبك وأين بخورك وأين كسوتك لصيفك وشتائك أما رأيته قد نزل به الأمر فما يدفع عن نفسه دخلا وهو يرشح عرقا ويتلمظ عطشا يتقلب في سكرات الموت وغمراته جاء الأمر من السماء وجاء غالب القدر والقضاء جاء من الأمر الأجل ما لا يمتنع منه هيهات يا مغمض الوالد والأخ والولد وغاسله يا مكفن الميت وحامله يا مخليه في القبر وراجعا عنه ليت شعري كيف كنت على خشونة الثرى ليت شعري بأي خديك تبدي البلى وأي عينيك إذن سألا يا مجاور الهلكات صرت في محل الموتى ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا وما يأتيني به من رسالة ربي ثم تمثل تسر بما يفنى وتشغل بالمنى * كما اغتر باللذات في النوم حالم نهارك يا مغرور سهو وغفلة * وليلك نوم والردي لك لازم وتعمل شيئا سوف تكره غيه * كذلك في الدنيا تعيش البهائم ثم انصرف فما بقي بعد ذلك إلا جمعة ومات رضي الله عنه ومن نظمنا في ذلك شاب فوداي وشب الأمل * ومضى العمر وجاء الأجل عسكر الموتى لنا منتظر * فإذا صرنا إليهم رحلوا ليت شعري ليت شعري هل دروا * إنني بعدهم مشتغل في فنون اللهو أفنى طربا * غافل عماله انتقل ولنا في هذا المعنى أيضا ضمت لنا أرامنا الآراما * فكان ذاك العيش كان مناما يا واقفين على القبور تعجبوا * من قائمين كيف صاروا نياما تحت التراب موسدين أكفهم * قد عاينوا الحسنات والإجراما لا يوقظون فيخبرون بما رأوا * لا بد من يوم تكون قياما ورأيت على قبر أبياتا وهي على لسان صاحبه أيها الناس كان لي أمل * قصر بي عن بلوغه الأجل فليتق الله ربه رجل * أمكنه في حياته العمل ما أنا وحدي نقلت حيث تروا * كل إلى مثله سينتقل ورأيت أيضا مكتوبا على قبر
(٥٣٧)