عز وجل وحرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض فاشترى قليلا بكثير وفانيا بباق وخوفا بأمن ألا تروا إنكم في أصلاب الهالكين وسيخلفها بعدكم الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين في كل يوم وليلة تشيعون غاديا ورائحا إلى الله تعالى قد قضى نحبه وانقضى أجله حتى تقبره في صدع من الأرض في بطن صدع ثم تدعوه غير ممهد ولا موسد قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وسكن التراب وواجه الحساب مرتهنا بعمله فقيرا إلى ما قدم غنيا عما ترك فاتقوا الله قبل نزول الموت وأيم الله أني لا قول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب ما أعلم عندي وما يبلغني عن أحد منكم حاجة إلا أحببت أن أسد من حاجته ما قدرت عليه وما يبلغني أن أحدا منكم لا يسعه ما عندي إلا وددت أنه يمكنني تغييره حتى يستوي عيشنا وعيشه وأيم الله لو أردت غير ذلك من الغضارة والعيش لكان اللسان مني به ذلولا عالما بأسبابه ولكن سبق من الله كتاب ناطق وسنة عادلة دل فيها على طاعته ونهى فيها عن معصيته ثم وضع طرف ردائه على وجهه وشهق وبكى الناس (وصية) وعليك بالاقتداء برسول الله ص في أحواله وأقواله وأفعاله إلا ما نص عليه أنه مختص به مما لا يجوز لنا أن نفعله أو خاطب به أحدا من الناس أن يفعله ونهى غيره عن ذلك بزق رجل في النيل بحضور ذي النون المصري فقال تعست يا بغيض تبزق على نعمة الله وكان ذو النون في ذلك الوقت في مشاهدة النعم الإلهية التي أحوجنا إليها فلذلك حكم عليه حاله فنطق بما نطق به كان شيخنا أبو مدين وقع بينه وبين أبي الحسن بن الدقاق وكان ابن الدقاق ممن يغشاه ويحضر مجلسه فانقطع عن حضور مجلسه لأجل ذلك فاستدعاه الشيخ أبو مدين وقال له يا أبا الحسن ما شأنك انقطعت إن شيطاني خاصم شيطانك ونحن على ودنا كما كنا ما تغيرنا ولا ندخل أنفسنا بينهما فتذكر أبو الحسن وقبل وصية الشيخ واستغفر الله ورجع إلى حضور مجلسه (وصية) بمكاتبة اعتل رجل من إخوان ذي النون فكتب إليه أن يدعو له فكتب إليه ذو النون سألتني أن أدعو الله لك أن يزيل عنك النعم واعلم يا أخي أن العلة مجزاة يأنس بها أهل الصفاء والهمم والضياء في الحياة ذكرك للشفاء ومن لم يعد البلاء نعمة فليس من الحكماء ومن لم يأمن الشفيق على نفسه فقد أمن أهل التهمة على أمره فليكن معك يا أخي حياء يمنعك عن الشكوى والسلام وقال بعضهم كتبت إلي تسألني عن حالي فما عسيت إن أخبرك به من حال وأنا بين خلال موجعات أبكاني منهن أربع حب عيني للنظر ولساني للفضول وقلبي للرياسة وإجابتي إبليس عدو الله فيما يكره الله وأقلني منها عين لا تبكي من الذنوب المنتنة وقلب لا يخشع عند نزول الموعظة وعقل وهن فهمه في محبة الدنيا ومعرفة كلما قلبتها وجدتني بالله أجهل وأضناني منها إني عدمت خير خصال الايمان الحياء وعدمت خير زاد الآخرة التقوى وفنيت أيامي بمحبة الدنيا وتضييعي قلبا لا أقتني مثله أبدا ووادعه إنسان فقال له قل لأبي يزيد إلى متى النوم والراحة وقد جازت القافلة فقال أبو يزيد قل لأخي ذي النون الرجل من ينام الليل كله ثم يصبح في المنزل قبل القافلة فقال ذو النون هنيئا له هذا كلام لا تبلغه أحوالنا وكان العلماء يكتب بعضهم إلى بعض بثلاث من أحسن سريرته أحسن الله علانيته ومن أصلح آخرته أصلح الله له أمر دنياه ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس وكتب رجل إلى عالم ما الذي أكسبك علمك من ربك وما أفادك في نفسك ودينك فكتب إليه العالم أثبت العلم الحجة وقطع عمود الشك والشبهة وشغلت أيام عمري يطلبه ولم أدرك منه ما فاتني فكتب إليه الرجل العلم نور لصاحبه ودليل على حظه ووسيلة إلى درجات كتب إليه العالم أبليت إليه في طلبه جد الشباب فأدركني حين علمت الضعف عن العمل به ولو اقتصرت منه على القليل كان لي فيه مرشد إلى السبيل كان شيخنا أبو عبد الله المجاهد وشيخنا تلميذه أبو عبد الله ابن قشوم نائبه في التدريس والإمامة لا يبرح الورق والمداد والقلم معهما يكتبان كل يوم ما قدر لهما من العلم رغبة أن يحشرا غدا عند الله من طلاب العلم (وصية) دخل رجل على عبد الملك بن مروان ممن كان يوصف بالفضل والأدب فقال له عبد الملك ابن مروان تكلم قال بما أتكلم وقد علمت إن كل كلام يتكلم به المتكلم وبال عليه إلا ما كان لله فبكى عبد الملك ثم قال يرحمك الله لم يزل الناس يتواعظون ويتواصون فقال الرجل يا أمير المؤمنين إن للناس في القيامة جولة لا ينجو من غصص مرارتها ومعاينة الردي فيها إلا من أرضى الله بسخط نفسه قال فبكى
(٥٣٢)