لا منزل فرح فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء ألا وإن الله خلق الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي وإنها لسريعة الذهاب وشيكة الانقلاب فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها واهجروا لذيذ عاجلها لكريه آجلها ولا تسعوا في عمران دار قد قضى خرابها ولا تواصلوها وقد أراد الله منكم اجتنابها فتكونوا السخطة متعرضين ولعقوبته مستحقين (وصية) نبوية بما يرضي الله من الأخلاق قال رسول الله ص أيها الناس اتقوا الله حق تقاته واسعوا في مرضاته وأيقنوا من الدنيا بالفناء ومن الآخرة بالبقاء واعملوا لما بعد الموت فكان الدنيا لم تكن وكان الآخرة لم تزل أيها الناس إن من في الدنيا ضيف وما في يده عارية وإن الضيف مرتحل والعارية مردودة ألا وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر فرحم الله امرءا نظر لنفسه ومهد لرمسه ما دام رسنه مرحى وحبله على غاربة ملقى قبل أن ينفد أجله فينقطع عمله (وصية) أيضا نبوية قال رسول الله ص إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة والآخرة قد تجملت مقبلة ألا وإنكم في يوم عمل ليس فيه حساب ويوشك أن تكونوا في يوم حساب ليس فيه عمل وإن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا يعطي الآخرة إلا من يحب وإن للدنيا أبناء وللآخرة أبناء فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا إن شر ما أتخوف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل فاتباع الهوى يصرف بقلوبكم عن الحق وطول الأمل يصرف هممكم إلى الدنيا وما بعدهما لأحد خير من دنيا ولا آخرة (وصية) نبوية بموعظة تذكر الموت وتؤذن بالرحيل قال رسول الله ص ما من بيت إلا وملك الموت يقف على بابه في كل يوم خمس مرات فإذا وجد الإنسان قد نفد أكله وجاء أجله ألقى عليه غم الموت فغشيته كرباته وغمرته عكراته فمن أهل بيته الناشرة شعرها والضاربة وجهها والباكية لشجوها والصارخة بويلها فيقول ملك الموت ع ويلكم مم الفزع وفيم الجزع ما أذهبت لواحد منكم رزقا ولا قربت له أجلا ولا أتيته حتى أمرت ولا قبضت روحه حتى استأمرت وإن لي فيكم عودة ثم عودة ثم عودة حتى لا أبقى منكم أحدا قال النبي ص فوالذي نفس محمد بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على نفوسهم حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرف روحه فوق النعش وهو ينادي يا أهلي ويا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي جمعت المال من حله ومن غير حله ثم خلفته لغيري فالمهناة له والتبعة علي فاحذروا مثل ما حل بي (وصية) من زاهد تحوي على فوائد روينا عن الشبلي أنه قال في وصيته إن أردت أن تنظر إلى الدنيا بحذافيرها فانظر إلى مزبلة فهي الدنيا وإذا أردت أن تنظر إلى نفسك فخذ كفا من تراب فإنك منها خلقت وفيها تعود ومتى ما أردت أن تنظر ما أنت فانظر إلى ما يخرج منك في دخولك الخلاء فمن كان حاله كذا فلا يجوز له أن يتطاول أو يتكبر على من هو مثله وقال بعضهم من كانت همته ما يدخله في جوفه فقيمته ما يخرج منه وكتب إبراهيم بن أدهم إلى أخ له بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله من لا تحل معصيته ولا يرجى غيره ولا يدرك الغني إلا به فإنه من استغنى عز وشبع وروى وانتقل عند ما أبصر قلبه عما أبصرت عيناه من زهرة الدنيا فتركها وجانب شبهها فارض بالحلال الصافي منها أي ما لا بد منه من كسرة يشد بها صلبه وثوب يواري به عورته أغلظ ما يجده وأخشنه والسلام وقال رسول الله ص حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه وروى أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه جئ إليه قبل الخلافة بحلة بثلاثة ألف درهم فاستحسنها ثم جئ إليه في خلافته بثوب ليشتريه فيلبسه بثلاثة دراهم فقال عسى خشن من هذا فإن هذا رقيق فانظر يا أخي أين هذا من ذاك رضي الله عنه مثل هذا يلي أمور عباد الله وكتب ابن السماك إلى أخ له وقد سأله أن يصف له الدنيا أما بعد فإن الله حفها بالشهوات ثم ملأها آفات مزج حلالها بالرزيات وحرامها بالتبعات فحلالها حساب وحرامها عقاب (وصية) مختار بإجارة من استجار كتب إلينا أبو حفص عمر بن عبد المجيد من روايته أن الله تعالى نادى موسى بن عمران لا تخيب من قصدك وأجر من
(٥٤٥)