ولأطيلن وحشة من استأنس بغيري ولأعرضن عمن أحب حبيبا سواي يا موسى إن لي عبادا إن ناجوني أصغيت إليهم وإن نادوني أقبلت عليهم وإن أقبلوا على أدنيتهم وإن دنوا مني قربتهم وإن تقربوا مني اكتنفتهم وإن والونى واليتهم وإن صافوني صافيتهم وإن عملوا إلى جازيتهم هم في حماي وبي يفتخرون أنا مدبر أمورهم وأنا سائس قلوبهم وأنا متولي أحوالهم لم أجعل لقلوبهم راحة في شئ إلا في ذكري فذكري لأسقامهم شفاء وعلى قلوبهم ضياء لا يستأنسون إلا بي ولا يحطون رحال قلوبهم إلا عندي ولا يستقر بهم القرار في الإيواء إلا إلي (حكي) في زمان النبوة الأولى أن بعض من يوحى إليه من المتقدمين فكر في أمر التكليف والبلوى ولم يتجه له وجه الحكمة في ذلك وقد أمره الله بالتفكر في عبادته فأخذ يناجي ربه في خلوته بسره ولسانه فقال يا رب خلقتني ولم تستأمرني ثم تميتني ولا تستشيرني وأمرتني ونهيتني ولم تخيرني وسلطت على هوى مرديا وشيطانا مغويا وركبت في نفسي شهوات مركوزة وجعلت بين عيني دنيا مزينة ثم خوفتني وزجرتني بوعيد وتهديد وقلت استقم كما أمرت ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيلي واحذر الشيطان أن يقربك والدنيا لا تغرنك وتجنب شهواتك لا ترديك وآمالك وأمانيك لا تلهيك وأوصيك بأبناء جنسك فدارهم ومعيشتك فاطلبها من وجه حلال فإنك مسؤول عنها إن لم تطلبها ومسئول عنها إن طلبتها من غير وجهها ولا تنس الآخرة كما لم تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض ولا تعرض عن الآخرة فتخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين فقد حصلت يا رب بين أمور متضادة وقوى متجاذبة وأحوال متقابلة فلا أدري كيف أعمل ولا أهتدي أي شئ أصنع وقد تحيرت في أموري وضللت عن حيلتي فأدركني يا رب وخذ بيدي ودلني على سبيل نجاتي وإلا هلكت فأوحى الله عز وجل إليه يا عبدي ما أمرتك بشئ تعاونني فيه ولا نهيتك عن شئ كان يضرني إن فعلته بل إنما أمرتك لتعلم إن لك ربا وإلها هو خالقك ورازقك ومعبودك ومنشئك وحافظك وصاحبك وناصرك ومعينك ولتعلم بأنك محتاج في جميع ما أمرتك إلى معاونتي وتوبتي وهدايتي وتيسيري وعنايتي ولتعلم أيضا بأنك محتاج في جميع ما نهيتك عنه إلى عصمتي وحفظي ورعايتي وإنك إلى محتاج في جميع تصرفاتك وأحوالك في جميع أوقاتك من أمور دنياك وآخرتك ليلا ونهارا وإنه لا يخفى علي من أمورك صغير ولا كبير سرا وعلانية وليتبين لك وتعرف أنك مفتقر ومحتاج إلي ولا بد لك مني فعند ذلك لا تعرض عني ولا تتشاغل عني ولا تنساني ولا تشتغل بغيري بل تكون في دائم الأوقات في ذكري وفي جميع أحوالك وجميع حوائجك تسألني وفي جميع تصرفاتك تخاطبني وفي جميع خلواتك تناجيني وتشاهدني وتراقبني وتكون منقطعا إلي من جميع خلقي ومتصلا بي دونهم وتعلم أني معك حيث ما تكون أراك وإن لم ترني فإذا أردت هذه كلها وتيقنت وبان لك حقيقة ما قلت وصحة ما وصفت تركت كل شئ وراك واتصلت إلي وحدك فعند ذلك أقربك مني وأوصلك لي وأرفعك عندي وتكون من أوليائي وأصفيائي وأهل جنتي في جواري مع ملائكتي مكر ما مفضلا مسرورا فرحا منعما ملذذا آمنا مبقى سرمدا أبدا دائما فلا تظن بي يا عبدي ظن السوء ولا تتوهم على غير ما يقتضيه كرمي وجودي واذكر سالف إنعامي عليك وقديم إحساني إليك وجميل آلائي لديك إذ خلقتك ولم تك شيئا مذكورا خلقا سويا وجعلت لك سمعا لطيفا وبصرا حادا وحواس دراكة وقلبا ذكيا وفهما ثاقبا وذهنا صافيا وفكرا لطيفا ولسانا فصيحا وعقلا رصينا وبنية تامة وصورة حسنة وأعضاء صحيحة وأدوات كاملة وجوارح طائعة ثم ألهمتك الكلام والمقال وعرفتك المنافع والمضار وكيفية التصرف في الأفعال والصنائع والأعمال وكشفت الحجب عن بصرك وفتحت عينيك لتنظر إلى ملكوتي وترى مجاري الليل والنهار والأفلاك الدوارة والكواكب السيارة وعلمتك حساب الأوقات والأزمان والشهور والأعوام والأيام وسخرت لك ما في البر والبحر من المعادن والنبات والحيوان تتصرف فيها تصرف الملاك وتتحكم فيها تحكم الأرباب فلما رأيتك متعديا حائرا باغيا خائنا ظالما طاغيا متجاوزا الحد والمقدار عرفتك الحدود والأحكام والقياس والمقدار والإنصاف والحق والصواب والخير والمعروف
(٥٣٠)