وعمل السلف، وهو هنا غير معلوم.
وما استدلوا به في جوازه من جهة عمومات الإجارة مستلزم للدور كما أشرنا سابقا، فإن صحة الإجارة موقوفة على إباحة المنفعة، والمفروض أن العبادات لا تصير مباحة إلا بالرجحان، وإثبات إباحتها ورجحانها من عمومات الإجارة دور.
فالحاصل أنا نقول: إذا ثبت من الأدلة وجوب النية في الزكاة، فإذا كان المؤدي هو المالك، فإما أن يباشرها بنفسه في الإخراج والإيصال كليهما فالأمر واضح، وتجب عليه النية مقارنة للدفع.
وإذا لم يباشرها بنفسه، ولكن يحضر الإخراج والدفع ويخرجها غيره ويدفعها، وإن لم يعلم ذلك الغير أن هذا المال أي شئ هو، سواء كان عاقلا بالغا، أو صبيا أو مجنونا، فيكفي أيضا قصده مقارنا للدفع، والمجنون والصبي حينئذ في حكم الآلة للإخراج والدفع، ويد العاقل البالغ أيضا كعدمها. ولو فرض عدم الاطلاع حينئذ حتى حصل الدفع فلا يكفي، إلا أن تلحقه النية بعده على تفصيل يأتي.
وإذا كان المؤدي هو الوكيل; فهو إما بأن يخرجها بنفسه من ماله مباشرة، أو بوساطة غيره، ثم يدفعها إلى من وكله في الإيصال إلى المصرف على وجه الزكاة، أو لا يخرجها بنفسه، بل يوكل غيره في الإخراج والإيصال معا.
وحينئذ; فإما أن يستحضر المالك حال الدفع إلى المصرف ويطلع عليه ويقصد وينوي هو، فيكفي أيضا، ولا حاجة إلى نية الوكيل.
وإن لم يحضره ولم يستحضره، فحينئذ تجب النية على الوكيل، ولا تصح الزكاة إلا مع النية، بأن يقصد اخراج زكاة الموكل نيابة عنه تقربا إلى الله، فإن الفعل الذي هو مشروط بالنية إنما صدر منه، فلا تكفي نية الموكل حين الإخراج في ذلك; لوجوب المقارنة.
ولا تقاس عليه الكفاية حين العزل مع النية، بتقريب أنه لا ضمان عليه مع التلف إذا لم يفرط بعد العزل، فلو لم يكن ذلك زكاة ولم تكف نية المالك حينئذ لما برئت ذمته.
لأنا نقول: إن العزل ليس معناه التزكية وأداء الزكاة، بل هو أمر آخر أوجب سقوط