منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٦٣١
والجواب العام عن الاستصحاب بجميع تقاريبه المتقدمة: ما تقدمت الإشارة إليه من عدم جريان الاستصحاب مع زوال وصف من أوصاف الموضوع فيما إذا احتمل دخله في موضوعيته، لأنه مع هذا الاحتمال لا يحرز بقاء الموضوع، واتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة الذي هو مقوم الاستصحاب. وقد مر أن الحياة لو لم تكن شرطيتها معلومة فلا أقل من كونها محتملة، ومع هذا الاحتمال لا يجري الاستصحاب بشئ من تقاريبه المذكورة، لعدم إحراز ما هو مقومة من وحدة القضيتين، هذا.
وأما الجواب المختص بكل من التقريبات المذكورة فبيانه:
أن في التقريب الأول أولا: منعصدق الرجوع إلى العالم على الرجوع إلى المجتهد الميت، وذلك لما مر من أن الميت لا رأي له حتى يتبعه العامي، إذ ليس الرجوع إلى المجتهد كالرجوع إلى الأموات من الأطباء مثلا، لان المناط في الرجوع إليهم، بعد كثرة الممارسة الموجبة للقطع بإصابة معالجاتهم للواقع أو الاطمئنان بها هو هذا القطع أو الاطمئنان، لا مجرد رأيه، لعدم بناء العقلاء على العمل بالظن أو الشك.
وهذا المناط مفقود في العامي، إذ ليس مناط رجوعه إلى المجتهد علمه أو اطمئنانه بإصابة رأيه للواقع، بل على العامي العمل برأيه تعبدا من دون إناطة بعلمه أو اطمئنانه بمطابقة رأيه للواقع، فموضوع جواز التقليد نفس الرأي من دون اعتبار علم العامي أو ظنه بإصابته للواقع.
وثانيا - بعد تسليمه -: أن هذا الامر الارتكازي العقلائي ليس أثرا شرعيا ولا موضوعا له حتى يجري فيه الاستصحاب. أما الأول فواضح.
وأما الثاني فلان الأثر المترتب عليه - وهو التنجيز أو التعذير - أثر عقلي لا شرعي.
وفي التقريب الثاني أولا: أن الحجية - بعد تسليم كونها حكما مجعولا شرعيا - لا موضوع لها هنا، لفناء موضوعها وهو الرأي بالموت كما تقدم سابقا.
ودعوى كفاية حدوث الرأي في الحجية حدوثا وبقاء وإن كانت ممكنة، لكنها ليست من شأن الاستصحاب المتقوم ببقاء موضوعه، بل إثبات هذه الدعوى منوط بقيام دليل اجتهادي عليه، وهو مفقود، إذ لو كان هناك دليل على ذلك لكان الرأي الزائل حجة على نفس المجتهد، مع أنه ليس كذلك مع زوال الرأي بهرم أو مرض.