منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٦٣٣
وهو اليقين بالحدوث.
وفي التقريب الخامس أولا: أن الرأي ليس إلا ما استنبطه المجتهد واستخرجه من أدلة الفقه من الاعتقاد بوجوب شئ أو حرمته، وقد مر آنفا زوال هذا الاعتقاد بالموت، والمنكشف بعد الموت من العلم بالوفاق أو الخلاف ليس ناشئا من الاجتهاد في الأدلة، بل هو علم آخر ناش من المكاشفة، وذلك ليس موضوعا لجواز التقليد، لما تقدم من أن موضوعه هو الاعتقاد الناشئ من الاجتهاد في أدلة الفقه، و لذا لا يكون العلم الحاصل بالرمل والجفر مثلا موضوعا لجواز التقليد.
ومن هنا يظهر فساد توهم كون الاستصحاب في المقام من القسم الثاني من ثالث أقسام استصحاب الكلي، ببيان: أنه يحتمل حدوث فرد مقارنا لارتفاع الفرد المعلوم الزوال، فيستصحب الكلي الجامع بينهما.
توضيح وجه الفساد: ما تقدم من كون الأثر الشرعي هنا مترتبا على الفرد، وهو خصوص الاعتقاد الناشئ عن الاجتهاد في الأدلة المعهودة، دون كلي الاعتقاد وإن كان ناشئا من الكشف والشهود، فيندرج هذا الاستصحاب في استصحاب الموضوعات التي لا أثر لها، ويكون أجنبيا عن استصحاب الكلي.
وثانيا - بعد تسليم بقاء الرأي بعد الموت، لبقاء موضوعه وهي النفس الناطقة وإن كان خلاف الفهم العرفي الذي هو المعتبر في تشخيص موضوع الاستصحاب، إذ الموضوع بنظرهم هو الحياة، دون النفس الناطقة التي هي موضوع الرأي بالنظر العقلي -: أن شرطية الحياة الثابتة بعموم دليل حرمة العمل بالظن أو بالأصل - وهو استصحاب الشرطية - تمنع حجية رأي الميت، فلا يجدي استصحاب الرأي، بل القطع به، إذ الموضوع لجواز التقليد حينئذ هو رأي المجتهد الحي، فمع القطع ببقاء الرأي بعد الموت - فضلا عن استصحابه - لا يجوز البقاء على تقليد الميت إلا بعد إلغاء شرطية الحياة.
وفي التقريب السادس أولا: أن مورد العدول وتبدل الرأي هو المجتهد الحي، لأنه هو الذي يحتمل تبدل اجتهاده الأول باجتهاد ثانوي موجب لعدوله عما اجتهد فيه أولا، وهذا أجنبي عن المجتهد الميت، ضرورة أنه ليس له اجتهاد ثان في أدلة الفقه. وإن حصل له علم في تلك النشأة فليس ذلك ناشئا من الاجتهاد في أدلة الفقه، بل هو ناش من المكاشفة، وليس هذا العلم موضوعا