منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٦٢٩
الشك زوال وصف من أوصاف الموضوع مع احتمال دخله في الحكم، إذ مع هذا الاحتمال يرجع الشك إلى الشك في بقاء الموضوع، ومن المعلوم عدم جريان الاستصحاب فيه، كعدم جريانه في العلم بارتفاع الموضوع.
ففي المقام لما كانت الحياة مما يحتمل دخله في الأحكام المذكورة، إذ لم يقم دليل على عدم دخل الحياة فيها، لما مر سابقا من عدم إطلاق في أدلة التقليد يشمل حياة المجتهد ومماته، لصلاحية الاجماعات المدعاة على عدم جواز تقليد الميت لمنع انعقاد الاطلاق في أدلته أولا. ولعدم تعرض شئ من الأدلة لشروط التقليد ثانيا، فإنه أيضا يكشف عن الاهمال، وعدم كونها في مقام البيان من جميع الجهات، فلا ينعقد لها إطلاق، بل ظاهرها أو متيقنها اختصاص جواز التقليد بمن له الرأي حين رجوع العامي إليه، وليس ذلك إلا المجتهد الحي، إذ الميت جماد لا رأي له كما لا يخفى.
وعليه فلا مجال لدعوى حكومة إطلاق الدليل المقيد - أعني به أدلة التقليد - على إطلاق ما دل على حرمة العمل بغير العلم حتى يقال:
بجواز تقليد المجتهد مطلقا سواء أكان حيا أم ميتا.
وكيف كان فنفس احتمال الدخل كاف في المنع عن جريان الاستصحاب.
وببيان أخصر: لا مجال لجريان الاستصحاب أصلا، لأنه إن ثبت دخل الحياة في تلك الأحكام، فيعلم بارتفاعها بعد الموت، وإن ثبت عدم دخلها فيها فيعلم ببقائها بعد الموت، كالعلم بوجودها حال الحياة. ففي هاتين الصورتين لا مجال للاستصحاب، لوجود العلم فيهما.
وإن لم يثبت شئ من الدخل وعدمه للحياة فلا يجري أيضا، لكون الشك حينئذ في بقاء الموضوع.
ومما ذكرنا في وجه عدم جريان الاستصحاب - من رجوع الشك فيه إلى الشك في بقاء الموضوع - يظهر: أنه لا أثر للبحث عن بقاء الظن بالحكم للمجتهد بعد موته وعدمه، بأن يقال في وجه بقائه كما عن صاحب الفصول (قده): إن الموت يوجب تكامل الظن، و انكشاف حقائق الأمور بعد الموت.
ويقال في وجه عدم بقائه وزواله بالموت: إن الظن قائم بالذهن المتقوم بتركيب الأخلاط الأربعة التي تترتب عليها آثار كسرعة الانتقال، والادراك، وجودة الذهن التي هي من آثار الصفراء، وكالبلادة وسوء الفهم وبط الانتقال التي هي من آثار البلغم، وهكذا، والموت يفني هذه الأخلاط كلها، فلا يبقى محل للادراك الذي هو من آثار بعض الأخلاط. وبالجملة: يزول الظن بزوال الحياة.