والمسألة الآتية هو المشهور بين المتأخرين، ثم نقل بقية الأقوال التي في المسألتين معا وقال بعد ذلك: والمسألة من أشكل الأبواب. وظاهره التوقف في الحكم هنا.
وقيل بوجوب التقصير اعتبارا بحال الأداء ونقل عن الشيخ المفيد وابن إدريس والسيد المرتضى في المصباح والشيخ علي بن الحسين بن بابويه وجمع من الأصحاب: منهم - المحقق وهو اختيار جمع من أفاضل متأخري المتأخرين، وقيل بالتفصيل بين سعة الوقت وعدمها فإن وسع التمام وجب وإلا صلى قصرا، ونسب هذا القول إلى الشيخ في النهاية وموضع من المبسوط وهو اختيار الصدوق في الفقيه، وقيل بالتخيير ونقل عن الشيخ في الخلاف. هذا ما وقفت عليه من الأقوال في المسألة.
والأصل في اختلاف هذه الأقوال اختلاف أخبار المسألة واختلاف الأفهام في المقام، وها أنا أسوق لك ما وصل إلى من روايات المسألة مذيلا لكل منها بما يتعلق به من البحث والكلام لينجلي بذلك عنها غشاوة الابهام فأقول:
الأول - ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق قال يصلي ركعتين، وإن خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا ".
أقول: وهذا الخبر أقوى ما استدل به العلامة في المختلف على القول الأول إلا أنه قابل للتأويل كما ذكره جملة من المتأخرين من إمكان حمل قوله: " الرجل يدخل من سفره " على معنى أنه يريد الدخول وحينئذ فصلاة الركعتين إنما هي في السفر، وقوله: " وإن خرج إلى سفره " أي أراد الخروج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا يعني في الحضر. وهو قريب لأن مثل هذا التجوز شائع في الآيات والأخبار ومنه قوله عز وجل: " إذا قمتم إلى الصلاة " (2) وقوله: " فإذا قرأت القرآن.. " (3) ونحو ذلك.