المفرط والوهدة: " ويحتمل قويا الاكتفاء بالتواري في المنخفض " إنما ينطبق على النسخة الأولى التي عدل عنها وهو قد أصلح هذا الموضع وغفل عن ذلك، وبيان ذلك أن الظاهر أن ما اشتملت عليه هذه النسخة الأخيرة يرجع إلى ما اخترناه في معنى الرواية وأن المراد منها خفاء المسافر عن أهل البلد لا خفاء البلد عن المسافر، وحينئذ فقوله بعد نقله عن الشهيدين اعتبار الاستواء في البلد بأن لا تكون في علو مفرط ولا وهدة: " ويحتمل قويا.. إلى آخره " إنما يتجه على النسخة القديمة، اللهم إلا أن يريد بعبارته الأخيرة وقوله: " استتاره عنها بحيث لا يرى لمن كان في البلد " هو الاستتار كيف اتفق ولو بوجود الحائل، إلا أنه لا يظهر حينئذ لهذا العدول عن العبارة الأولى إلى هذه العبارة وجه لرجوع هذه العبارة بهذا المعنى إلى العبارة الأولى كما لا يخفى.
وكيف كان فإنه ينبغي أن يعلم أن المراد من قوله عليه السلام: " إذا توارى " إنما هو التواري والخفاء بالضرب في الأرض والسير فيها والبعد عن البلد كما دلت عليه الآية الشريفة لا التواري كيف اتفق كما توهمه، فإن قوله عز وجل " وإذا ضربتم في الأرض " الذي هو شرط التقصير إنما يتحقق بالسير فيها والبعد عن البلد، وهي وإن كانت مجملة في قدر البعد إلا أن النصوص الواردة في تحديد محل الترخص قد أوضحت اجمال الآية وأن المراد الضرب إلى هذا المقدار الذي دلت عليه النصوص المشار إليها، وهذا هو المعنى الذي فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) من الخبر المذكور، ولم يذهب إلى هذا الوهم الذي توهمه أحد سواه (قدس سره) ومن الظاهر أنهم (عليهم السلام) أرادوا بهذه الأخبار وضع قاعدة كلية وبيان ضابطة جليلة يترتب عليها حكم التقصير والتمام ذهابا وهو إما خفاء المسافر عن أهل البلد أو خفاء الأذان عليه، وأما وجود الحائل الذي قد يكون وقد لا يكون وقد يبعد وقد يقرب مع عدم الدليل عليه فلا يصلح لأن يكون ضابطا كليا ولا قانونا جليلا. وبالجملة فإن ما ذكره (قدس سره) لا يخلو من مجازفة أو غفلة. والله العالم.