جمعا بينهما وبين ما دل على عدم التحريم كصحيحة علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام (1) " في الرجل يصلي خلف من يقتدي به ويجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة؟ فقال لا بأس إن صمت وإن قرأ " انتهى.
أقول: لا يخفى ما في هذا الاستدلال من الاختلال الذي لا يخفى على سائر الناظرين في هذا المقال فضلا عن ذوي الكمال، وذلك فإن الآية المذكورة والخبر العامي الذي بعدها صريحان في وجوب الانصات في الجهرية، والخبر الذي نقله عن الصادق عليه السلام صريح في النهي الذي مفاده التحريم عن القراءة خلف من ارتضى قراءته جهرية كانت الصلاة أو إخفاتية. وخبر علي بن يقطين إنما دل على التخيير بين السكوت والقراءة في صورة ما لو كانت الصلاة جهرية ولم يسمع المأموم القراءة وهو أخص من المدعى، وأنت خبير بأن محل الخلاف والاشكال إنما هو في ما عدا هذه الصورة، وحينئذ فأين الدليل على الكراهة في صورة سماع القراءة ولو همهمة في الجهرية وكذا في الصلاة الإخفاتية كما يدعونه؟
ثم انظر إلى اقتصاره (رضي الله عنه) على ما نقله من هذه الرواية العامية وهذا الخبر المجمل الذي بعدها وروايات المسألة كما نقلناها مستفيضة عديدة ولم يرجعوا إليها ولم يتأملوا فيها، ومن هنا يعلم أن منشأ هذا الاختلاف وكثرة هذا الخلاف إنما هو من حيث عدم تتبع الأخبار والتأمل فيها بعين الفكر والاعتبار وإلا فمن أعطى التأمل فيها حقه فإنه لا يخفى عليه صحة ما ذكرناه ووضوح ما أوضحناه وأعجب من ذلك أنهم أدخلوا حكم الأخيرتين للمأموم في هذا الاختلاف ونظموه في سلك هذا الخلاف، وقد أوضحنا ما فيه في الفصل الثامن (2) من فصول الباب الثاني في الصلوات اليومية وما يلحق بها فليرجع إليه من أحب تحقيق الحال وإزاحة الاشكال. والله العالم.