الصنهاجي في محاسن المجالس لما ذكر حال العابد والمريد والعارف قال والحق وراء ذلك كله لا بد من ذلك وإن كان مع ذلك كله أو عين ذلك كله فهو مع ذلك كله بقوله وهو معكم أينما كنتم وهو عين ذلك كله بقوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك وهو من وراء جميع ما ذكره محيط بقوله والله من ورائهم محيط وبقوله إلا أنه بكل شئ محيط فمن أراد أن يسبح الحق في هجيره فليسبحه بمعنى قوله وإن من شئ إلا يسبح بحمده أي بالثناء الذي أثنى به على نفسه فإنه ما أضافه إلا الله هكذا هو تسبيح كل ما سوانا فإنا لا نفقة تسبيحهم إلا إذا أعلمنا الله به وهذا ضد ما تعطيه حقيقة التسبيح بل هذا تسبيح عن التسبيح مثل قولهم التوبة من التوبة فإن التسبيح تنزيه ولا ينزه إلا عن كل نعت محدث يتصف به المخلوق وما نزل إلينا من الله نعت في كتاب ولا سنة إلا وهو شرب المخلوق وجعل ذلك تعالى حمد نفسه وذكر عن كل شئ أنه يسبح بحمده أي بالثناء الذي أنزله من عنده والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا فمن سبحه عن هذه المحامد فما سبحه بحمده بل أكذبه وإنما سبحه بعقله ودليله في زعمه والجمع بين الأمرين أن تسبحه بحمده وهو التنزيه عن التنزيه وذلك عين الاشتراك في النسبة كعدم العدم الذي هو وجود وإن أرادوا به المبالغة في التنزيه فذلك ليس بحمد الله بل حمد الله نفسه بما ذكرناه فإذا سبحه بحمده وهو الإقرار بما ورد من عنده مما أثنى به على نفسه أو مما أنزله عليك في قلبك وجاء به إليك في وجودك مما لم ينقل إليك واجعل ذلك التسبيح كالصورة واجعل قوله والحق وراء ذلك كله كالروح التي لا تشاهد عينها لتلك الصورة ويكفيك من العلم بها مشاهدتك أثرها فإنك تعلم أن وراء تلك الصورة أمرا آخر هو روحها كذلك تعلم أن الحق وراء كل ثناء لك فيه شرب ومن المحال أن يكون عندك ثناء على الله معين في الدنيا والآخرة لا يكون لك فيه شرب فإنه لا يصح لك أن تثني عليه بما لا تعقله ومهما عقلت شيئا أو علمته كان صفتك ولا بد فلا يصح في الكون على ما تعطيه الحقائق التسبيح الذي يتوهمه علماء الرسوم وإنما يصح التسبيح عن التسبيح ما دام رب وعبد ولا يزال عبد ورب فلا يزال الأمر هكذا فسبح بعد ذلك أو لا تسبح فأنت مسبح شئت أو أبيت وعلمت أم جهلت ولولا ما هو الأمر على هذا في نفسه ما صح أن يظهر في العالم عين شرك ولا مشرك وقد ظهر في الوجود المشرك والشرك فلا بد له من مستند إلهي عنه ظهر هذا الحكم وليس إلا ما ذكرنا من أن العبد له شرب في كل ما يسبح به ربه من المحامد وأعلى المحامد بلا خلاف عقلا وشرعا ليس كمثله شئ ثم تمم الآية لنعرف المقصود ويصح أول الآية فقال وهو السميع البصير فلو لم يتمم لكان أول الآية يؤذن بأنا لسنا بعبيد وليس هو لنا بإله فلا بد من رابط وليس إلا الاشتراك إلا أنه عين الأصل في ذلك ونحن فيه كنسبة الفرع إلى الأصل والولد إلى الوالد وإن كان على صورته فليس هو عينه فارتبط به فلا ينسب إلا إليه لأن له عليه ولادة وغيره من الناس من أبناء جنسه ما له عليه ولادة فلا يقال إنه ابنه ونسبتنا من وجه مثل هذه النسبة لأن الوجود له وهو الذي استفاد منه المحدث إلا إن النسبة التي ورد بها السمع نسبة العبد إلى السيد والمخلوق إلى الخالق والرب إلى المربوب والمقدور إلى القادر والمصنوع إلى الصانع فإن نسبة البنوة أبعد النسب لتقلبه في الأطوار بما ليس للأب فيه تعمل وإنما له إلقاء الماء في الرحم عن قصد بنوة وعن لا قصد فبعدت النسبة لذلك كانت النطفة مخلقة وغير مخلقة ولو كان الأمر فيها للأب لكانت تامة أبدا ألا ترى إلى النسبة القربية في خلق عيسى الطير بيده ثم نفخ فأتم خلقه فقربت نسبة الخلق إليه وكذلك صنائع المخلوقين كلهم فالبنوة من الأبوة أبعد نسبة من جميع الأمور وهي أصح النسب وما كفر من قال إن المسيح ابن الله إلا لاقتصاره وكذلك كفر من قال نحن أبناء الله وأحباؤه لاقتصار هم لأنهم ذكروا نسبة تعم كل ما سوى الله إن كانت صحيحة فإن لم تكن في نفس الأمر صحيحة فهم والعالم فيها على السواء ولما كان الأمر النسبي في تولد العالم عن الله وأن وجوده فرع عن الوجود الآلي نبه تعريضا في تصريح لمن فهم الإشارة وقسم العبارة وذلك بقوله لو أراد الله أن يتخذ ولدا فجوز ذلك وإنما نفي تعلق الإرادة باتخاذ الولد الإرادة لا تتعلق إلا بمعدوم والأمر وجود فلا تعلق للإرادة فإن المقصود حكم البنوة لا عين الشخص المسمى ابنا ثم تمم فقال لاصطفى مما يخلق ما يشاء فتدبر هذه الآية إلى تمامها وكذلك قوله تعالى لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين أي ما كنا فاعلين إن نتخذه من غيرنا لأنه
(٩٣)