فإنها السورة التي يقرؤها الحق تعالى في الجنة على عباده بلا واسطة وهذا القطب له علوم جمة له البطش والقوة كما قال أبو يزيد البسطامي وقد سمع قارئا يقرأ إن بطش ربك لشديد فقال بطشي أشد وكان حاله حال من ينطق بالله فقول الله عن نفسه أن بطشه شديد على لسان عبده أشد من بطشه بغير لسان عبده ثم بطشه على لسان عبده الطبيعي أشد من بطشه على لسان عبده الإلهي بما لا يتقارب وأكثر علم هذا الإمام في التنزيه والإحاطة وليس التنزيه والإحاطة التي يعلم هو المفهوم المتعارف بل هو تنزيه التنزيه المتعارف وجعله في ذلك علم الإحاطة وذلك أن تنزيهه عدم المشاركة في الوجود فهو الوجود ليس غيره والمعبر عنه عنده بالعالم إنما هو الاسم الظاهر وهو وجهه فما بطن منه عن ظاهره فهو الاسم الباطن وهو هويته فيظهر له ويغيب عنه وأما الآلام واللذات فتقابل الأسماء وتوافقها وبها تكثرت الصور فإنها التي تشكلت فأدرك بعضها بعضا فكان محيطا بها منزها عنها فله الستر عنها والتجلي فيها فتختلف عليه الصور فينكر حاله مع علمه أنه هو وهو ما تسمعه من قول الإنسان عن نفسه إني في هذا الزمان أنكر نفسي فإنها تغيرت علي وما كنت أعرف نفسي هكذا وهو هو ليس غيره فمن حيث تشكل الأسماء له الإمكان ومن حيث العين القابلة لاختلاف الصور الأسمائية عليها له الوجوب فهو الواجب الممكن والمكان والمتمكن المنعوت بالحدوث والقدم كما نعت كلامه العزيز بالحدوث مع اتصافه بالقدم فقال ما يأتيهم الضمير يعود على صور الأسماء إلا الرب من ذكر من ربهم محدث فنعته بالحدوث فهو حادث عند صورة الرحمن وما يأتيهم الضمير مثل الأول إلا الرحمن من ذكر من الرحمن محدث فنعته بالحدوث فهو حادث عند صورة الرب فإن تقدم إتيان ذكر الرب كان ذكر الرحمن جوابه وإن تقدم ذكر الرحمن كان ذكر الرب جوابه فالمتقدم أبدا من الذكرين قرآن والثاني فرقان فليس كمثله شئ للمتقدم منهما وهو القرآن وهو السميع البصير للآخر منهما وهو الفرقان فهو الأول والآخر كما هو الظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم وليس إلا قبول صور الأسماء وكل للإحاطة فانحصر الأمر فيه فما قال كن إلا له ولا كنى بيكون إلا عنه ألا تراه تسمى بالدهر وأنه يقلب الليل والنهار وليس الدهر غير الليل والنهار وليس التقليب سوى اختلاف الصور فالأيام والساعات والشهور والأعوام هي عين الدهر وفي الدهر وقع التفصيل بما ذكرناه فمن وجه هو ساعة ومن وجه هو يوم وليل ونهار وجمعة وشهر وسنة وفصول ودور فكل خير هو له * وكل شر ليس له * فهو الوجود كله * وفقده ما هو له يعلمه من علمه * يجهله من جهله * فإنما أنا به * في كل أحوالي وله فأنت هو ما أنت هو * وأنت له ما أنت له * ولو صنعت صنعه * ولو عملت عمله فهذا من بعض أنفاس علم هذا القطب وهكذا مجراه في علومه كلها على كثرتها وتفاصيلها (وأما القطب الثاني عشر) الذي على قدم شعيب ع فسورته من القرآن سورة تبارك الذي بيده الملك وهي التي تجادل عن قارئها ومنازله بعدد آيها انظر في جدالها في قوله ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر كرتين ينبه على النظر في المقدمتين هل ترى من فطور يعني خللا يكون منه الدخل فيما يقيمه من الدليل ينقلب إليك البصر وهو النظر خاسئا بعيدا عن النفوذ فيه بدخل أو شبهه وهو حسير أي قد عيي أي أدركه العياء وكل آية في هذه السورة فإنها تجري على هذا النسق إلى أن ختم بقوله قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ألا ترى الوجود كله من غير تعليم هل تراه في حال اضطراره يلجأ إلى غير الله ما يلجأ إلا إلى الله بالذات فلو كان غيرا ما عرفه حتى يلجأ وهو قول العامة فيمن رزئ مالك لما ترجع في رزيتك إلا إلى الصبر والصبر ليس إلا صفة الصابر فتسمى أيضا بالصبور يقول أنا هو ما ثم غيري وهذا عين ما ادعاه في علمه القطب الذي على قدم صالح صلى الله على نبينا محمد وعليه وسلم فيا شعيب ما ثم عيب * لكنه شاهد وغيب فانظر إلى حكمة وفصل * الخطاب فيها ما فيه ريب ولهذا القطب علم البراهين وموازين العلوم ومعرفة الحدود كله روح مجرد لطيفة حاكم على الطبيعة مؤيد للشريعة
(٨٧)