بالحب الأول فصار حب العبد ربه محفوظا بين حبين إلهيين كلما أراد أو هم أن يخرج عن هذا الوصف بالسلو وجد نفسه محصورا بين حبين إلهيين فلم يجد منفذا فبقي محفوظ العين بين حب عناية ما فيها من فطور وبين حب كرامة ما فيها استدراج والحصر بين أمرين يوجب اضطرارا فذلك حب الفرض وهو العبد المضطر في عبوديته المجبور بما فرض الله عليه لينبهه أنه في قبضة الحق محصور لا انفكاك له ولا نفوذ كما رسمناه في الهامش ولما رأى أن الحق كلفه علم أنه لو لم يعلم الحق في العبد اقتدارا على إتيان ما كلفه به من الأعمال ما كلفه به فكان التكليف له معرفا بأن له مدخلا في الاقتدار على وجود الفعل الذي كلفه الله إيجاده وقرر ذلك عنده بما شرع له من طلب المعونة من الله على ذلك فزاده هذا قوة في علمه بأن له اقتدارا ثم نظر فيما أوجب عليه فرأى ذلك قليلا مما هو عليه من الاتساع فعلم عند ذلك أن الاتساع الذي أبقى له إنما أبقاه لما له من الاقتدار فأراد أن يبتليه ليرى ما يخرج منه في ذلك الاقتدار الذي أعطاه وليس له فيما يخرج فيه ذلك الاقتدار إلا تلك السعة التي أبقى له كما قال إن لك في النهار سبحا طويلا فعمر ذلك الفراغ هذا العبد بالنوافل ولا يكون نافلة حتى يكمل الفرض فحصل بذلك من الله حبان آخر إن حب الفرائض أي الحب الذي حصل له من إتيانه بالفرائض والحب الذي حصل له أيضا من الله من إتيان النوافل وإن كان دون الحب الأول كما هو في الأصل حب الكرامة دون حب العناية فإنه حب جزاء فلا يخلص خلوص الحب الأول كما ورد في الخبر أن الرجل إذا قال لأخيه أحبك فأحبه الآخر فإنه لا يلحقه في درجته في الحب أبدا لأن حب الأول ابتداء وحب الثاني جزاه فلن يكافئه أبدا فإن الحب الأول هو الذي أنتج الحب الثاني فهو منفعل عنه والمنفعل لا يقوي قوة الفاعل أبدا فلما عمر ذلك الفراغ الواسع بالنوافل وجعل الله فيها فرائض لتتأيد بها النوافل في اللحوق بالفرائض ولهذا تسد مسدها وتكمل بها الفرائض بما فيها من الفرائض كما ورد في الخبر الصحيح عن رسول الله ص أن الله يقول في موازنة الأعمال إذا لم يتم العبد فرضه أن يكمل له فريضته من تطوعه إن كان له تطوع وهو النفل فلذلك كان في النفل فروض لأن كل نفل فهو على صورة فرضه من صلاة وصدقة وصيام وحج واعتمار فله الخيار في الإتيان بالنفل ما لم يتلبس به فإذا تلبس به قيل له لا تبطلوا أعمالكم فبالأولية في ذلك كان مختارا وفي التلبس مضطرا عندنا وبخلافه عند علماء الرسوم ومن أو في بما عاهد عليه الله والشروع عهد عهده مع الله بلا شك فيما لم يجب عليه ولهذا قال هل على غيرها قال لا إلا أن تطوع فدخل الاحتمال في هذا الإجمال ولما لم يكن في أداء الفرض رائحة ربوبية توجب له إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل كما هو في النفل كان في الفرض عبد اضطرار بلا شك مجبورا فأدركه الانكسار في نفسه لما كان عليه من العزة في كونه أعطى العلم لله به فجبر الله انكساره بقوله ما يبدل القول لدي فأزال عن نفسه بهذا الخطاب إن شاء وإن شاء وما أبقى له إلا عين ما شاء لا التخيير في ذلك فلما سمع العبد مثل هذا انجبر كسره وعلم إن الله لا يقول مجازا وأن الأمر لما كان في نفسه على هذا ما صح أن يقول مثل هذا القول فزال الانكسار الذي كان عنده وهو قوله تعالى في الخبر المترجم عنه أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي أي أنا كسرت قلوبهم بما أوجبته عليهم وأدخلتهم فيه من الاضطرار وأنزلتهم من معقل عزتهم بذلك فلما انكسروا كان عندهم في هذا الكسر جابرا بما أوجبه على نفسه وما أخبر به أنه ما يبدل القول لديه وأن الكلمة منه حقت وأزال الاختيار بإزالة الإمكان من العالم فلم يبق إلا واجب بنفسه أو واجب بغيره وهما وصفان لموصوف واحد ولموصوفين وليس في الكون إلا الرب والمربوب ثم أعطاه بما خيره فيه في هذا الاتساع من المسمى نفلا حكم الاختبار الإلهي في قوله إن شاء وإن شاء فكساه حلته بل العبد أولى بصفة الاختيار من صفة الاضطرار لأن له التردد بالحقيقة لإمكانه وليس عند الحق ذلك فإذا ظهر مثل هذا من الحق فتعلم إن الحق ظهر
(١٠٣)