بحسب ما يقتضيه دليل الوقت فيعقل منها عند ذلك ما يعقل فإذا كانت هجيرا لأحد فإن كان المثابر عليها يذكر بها ربه بالمفاضلة كان الكشف له من عند الله بحسب ما نوى فلا يرى إلا مفاضلة وهو كشف معين سأذكره في هذا الباب وإن كان الذاكر به ربه يستحيل عنده المفاضلة كان الكشف له من عند الله بحسب ما نوى فلا يرى مفاضلة وهو كشف معين سأذكره في هذا الباب إن شاء الله وإن كان الذاكر به ربه من حيث هو ذكر مشروع لا تخطر له فيه المفاضلة ولا ترك المفاضلة نتج له ما هو الأمر عليه من غير تقييد فيكون ما حصل لمن نوى المفاضلة ومن لم ينوها تحت علم هذا الذاكر الثالث وهذه الهجيرات هي قوله تعالى والذاكرين الله كثيرا والذاكرات فالهجير هو الكثرة من الذكر دائما فإذا تقرر هذا فلنقل (فصل) فيمن ذكر هذه اللفظة بطريق المفاضلة اعلم أن المفاضلة في هذا الذكر وأمثاله على قسمين قسم يرجع الفاضل فيه والمفضول إلى الحق وقسم يرجع الفاضل فيه إلى الحق والمفصول إلى الخلق فلنبدأ بما يرجع إلى الحق وهو على قسمين قسم يرجع إلى هذا الاسم من حيث لفظه وقسم يرجع إلى غير لفظه من الأسماء فالذي يرجع إلى لفظه كالكبير في قوله تعالى إنه الكبير المتعال وكالمتكبر في قوله تعالى الجبار المتكبر فيكون الكبير أفضل من المتكبر لأن الكبير لنفسه هو كبير والمتكبر تعمل في حصول الكبرياء وما هو بالذات أفضل بما هو بالتعمل فإن التعمل اكتساب وإنما كان التكبر من صفات الحق لما كان من نزوله في الصفات إلى ما يعتقده أصحاب النظر وأكثر الخلق أنه صفة المخلوق فلما علم ذلك منهم وهو سبحانه قد وصف لهم نفسه بتلك الصفات حتى طمعوا فيه وضل بها قوم ع ن طريق الهدى كما اهتدى بها قوم في طريق الحيرة قام لهم تعالى في صفة التكبر عن ذلك النزول ليعلمهم أنه وإن اشترك معهم في الاسمية فإن نسبتها إليه تعالى ليست كنسبتها إلى المخلوق فيكون مثل هذا تكبر أو لا يحتاج الكبير إلى هذا كله فتبين لك المفاضلة بين الكبير والمتكبر وأما المفاضلة التي لهذه الكلمة أعني قولك الله أكبر فهي كلمة مفاضلة على كل اسم من الأسماء الإلهية بما يعطيه فهم الخلق فيه أعني في كل اسم اسم لأن فهم العالم لا بد أن يكون يقصر عما هو الأمر عليه ولا يتمكن أن يقبل توصيل ذلك لو تمكن أن يوصله الحق إليك فنحن لا قوة لنا على التحصيل ولا قوة في نفس الأمر على التوصيل فلا بد من قصور الفهم فتدل لفظة الله أكبر من كل ما أعطاه فهم من نسبة الكبرياء إلى الله بأي اسم كان من الأسماء الإلهية بهذا اللفظ وغيره فإن الله يقال فيه إنه أعظم وأكرم وأجل وأعلى وأرحم وأسرع وأحسن وأحكم وأمثال ذلك مما لا يحصى كثرة ألا ترى إلى المشركين لما قالوا أعل هبل أعل هبل وهبل اسم صنم كان يعبد في الجاهلية وهو الحجر الذي يطأه الناس في العتبة السفلي في باب بنى شيبة هو مكبوب على وجهه فقال النبي ص لأصحابه لما سمع المشركين يقولون ذلك قولوا الله أعلى وأجل يعني بالمفاضلة عندهم في اعتقادهم فساقه في معرض الحجة عليهم لأن النبي ص ما دعاهم إلا إلى الايمان بالله الذي هو عندهم وفي اعتقادهم أعلى وأجل من هبل ومن سائر الآلهة بما قالوه عن نفوسهم فقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فاتخذوهم حجبة فالله أعلى وأجل من هبل عندهم فكان ذلك تنبيها من رسول الله ص للمشركين فإنه في نفس الأمر ليس هبل بإله حتى يكون الله أعلى وأجل في الألوهة من هبل ولو قالها رسول الله ص على طريق المفاصلة في نفس الأمر لكان تقريرا منه ص لألوهة هبل إلا إن الله أعلى منه وأجل في الألوهة وهذا محال على النبي ص وعلى كل عالم أن يعتقده لأنه الجهل المحض على كل وجه فهذه أيضا مفاضلة مقررة شرعية في قولك الله أكبر فصاحب هذا الهجير بطريق المفاضلة يطالعه الحق بسريان هويته في جميع الخلق مثل قوله في الصحيح إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده وقوله كنت سمعه وبصره ويده ورجله إلى غير ذلك وقوله فبي يسمع وبي يبصر ولكن نسبة القول إليه دون نسبة القول إليه بلسان عبده أعلى من نسبة القول إليه بلسان الخلق فهو أكبر في ذاته من كبريائه في خلقه فاعلم ذلك فنقول عند ذلك الله أكبر مفاضلة إذ لم يخرج عنه كأنه يقول ذكرك نفسك أعظم وأكبر من ذكري إياك
(٩١)