الذكر إلا ليعلمه كيف يذكره فيذكره ذكر طلب واضطرار وافتقار وحضور في طلبه من ربه ما شرع له أن يطلبه فذلك هو الذي يجيبه الحق إذا سأله فإن تلا حكاية فما هو سائل وإذا لم يسأل وحكى السؤال فإن الحق لا يجيب من هذه صفته ولا جرم أن التالين الغالب عليهم الحكاية لأنه لا ثمرة عندهم فهم يقرءون القرآن بألسنتهم لا يجاوز تراقيهم وقلوبهم لاهية في حال التلاوة وفي حال سماعه فإذا رأيت من يقدم على الشدائد في حق الله فاعلم أنه مؤمن صادق وإذا رأيته قوي العزم في دين الله وفي غير دين الله فيعلم أنه قوي النفس لا قوي الايمان بالأصالة فإن المؤمن هو القوي في حق الله خاصة الضعيف في حق الهوى لا يساعد هواه في شئ إذا جاءه الهوى النفسي يطلب منه أن يعينه في أمر ما يريه من الضعف والخوف ما يقطع به يأسه منه فينقمع الهوى إذ لا يجد معونة من قبول المؤمن عليه فيعصم جوارحه من إمضاء ما دعاه إليه الهوى وسلطانه فإذا جاءه وارد الايمان وجد عنده من القوة والمساعدة بالله ما لا يقاومه شئ فإن الله هو المعين له فإن الإنسان خلق هلوعا من حيث إنسانيته وإن المؤمن له الشجاعة والإقدام من حيث ما هو مؤمن كما حكي عن بعض الصحابة وأظنه عمرو بن العاص أن رسول الله ص أخبره أنه لا بد له أن يلي مصر فحضر في حصار بلد فقال لأصحابه اجعلوني في كفة المنجنيق وارموا بي إليهم فإذا حصلت عندهم قاتلت حتى أفتح لكم باب الحصن فقيل له في ذلك فقال إن رسول الله ص ذكر لي أني إلى مصر وإلى الآن ما وليتها ولا أموت حتى أليها فهدا من قوة الايمان فإن العادة تعطي في كل إنسان أن شخصا إذا رمى في كفة المنجنيق إنه يموت فالمؤمن أقوى الناس جأشا ومن أسمائه تعالى المؤمن وقد ورد أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا من كونه مؤمنا فالمؤمن المخلوق يستعين بالمؤمن الخالق فيشد منه ويقوي ما ضعف عنه من كونه مخلوقا فإن الله خلقه من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة فهي إشارة وذلك أن كانت قوة الشباب تفسيرا فهي قوة الايمان بما أمر من الايمان به تنبيها فاعلم (وصية) كن فقيرا من الله كما أنت فقير إليه فهو مثل قوله ص وأعوذ بك منك ومعنى فقرك من الله أن لا يشم منك رائحة من روائح الربوبية بل العبودية المحضة كما أنه ليس في جناب الحق شئ من العبودية ويستحيل ذلك عليه فهو رب محض فكن أنت عبدا محضا فكن مع الله بقيمتك لا بعينك فإن عينك عليه روائح الربوبية بما خلقك عليه من الصورة بالدعوى وقيمتك ليست كذلك بهذا أوصاني شيخي وأستاذي أبو العباس العريبي رحمه الله فلقيمتك التصرف بالحال لا بالدعوى فكن أنت كذلك فمتى قالت لك نفسك كن غنيا بالله فقد أمرتك بالسيادة فقل لها أنا فقير إلى الله وإلى ما أفقرني الله إليه فإن الله أفقرني إلى الملح أن يكون في عجيني (وصية) عليك بالرباط فإنه من أفضل أحوال المؤمن فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمي له إلى يوم القيامة ويأمن فتان القبر ثبت هذا عن رسول الله ص والرباط أن يلزم الإنسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه أو يجعله في نفسه فإذا ربط نفسه بهذا الأمر فهو مرابط والرباط في الخير كله ما يختص به خير من خير فالكل سبيل الله فإن سبيل الله ما شرعه الله لعباده أن يعملوا به فما يختص بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد فإن رسول الله ص قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة إنه رباط والله يقول في كتابه للمؤمنين اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله يعني في ذلك كله أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم وذلك معونته في قوله استعينوا بالصبر والصلاة واستعينوا بالله وقوله وإياك نستعين فهذا معنى اتقوا الله لعلكم تفلحون أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط وينبغي لك إذا ناجيت رسول الله ص وذلك زمان قراءتك الأحاديث المروية عنه ص أن تقدم بين يدي نجواك صدقة أي صدقة كانت فإن ذلك خير لك وأطهر بهذا أمرت فإن الصدقات التي نص الشرع عليها كثيرة ولذلك ورد أنه يصبح على كل سلامي منا صدقة في كل يوم تطلع فيه الشمس ثم أخبر ص أن كل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة فانظر حالك عند ما تريد قراءة الحديث النبوي فهي التي بقيت في العامة من مناجاة الرسول فالذي يعين
(٤٨٢)