التكليف بما لا يطاق، كما يشير إليه كلام شيخنا الشهيد الثاني المتقدم، وهو منفي عقلا ونقلا.
وحينئذ فلو لم يطلع عليه أحد أو لم يقدر على قتله أو تأخر بوجه وقد حصلت منه التوبة فإنه تقبل توبته في ما بينه وبين الله عز وجل وتصح عباداته ومعاملاته ويطهر بدنه ويدفن في مقابر المسلمين، لقوله عز وجل زيادة على ما تقدم " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " (1) ولا ينافيه اجراء تلك الأحكام التي اشتملت عليها الأخبار المتقدمة، فإن هذا أمر آخر وراء قبول التوبة باطنا.
وأما ما نقل عن ابن الجنيد وهو القول الثالث فلعل وجهه العمل بما دل على قبول التوبة من الآيات والروايات، إلا أن فيه طرحا للأخبار المتقدمة والجمع بين الدليلين متى أمكن أولى من طرح أحدهما.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك في هذه المسألة لا يخلو من اضطراب، فإنه قال في كتاب الميراث ما قدمنا ذكره مما يدل على أن المختار عنده هو قبول التوبة باطنا لا ظاهرا وأن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو عدم القبول مطلقا.
وقال في كتاب القضاء: ثم إن قبلت توبته كالمرأة والملي قضى وإن لم تقبل ظاهرا كالفطري على المشهور فإن أمهل بما يمكنه القضاء قبل قتله قضى وإلا بقي في ذمته، والأقوى قبول توبته مطلقا. انتهى.
وهذا الكلام كما ترى ظاهر في اختياره قبول التوبة ظاهرا وباطنا كما هو المنقول عن ابن الجنيد وهو خلاف ما صرح به في كتاب الميراث، وظاهره أن القبول ظاهرا وعدمه محل خلاف والمشهور هو عدم القبول مع أنه ادعى الاجماع في مبحث الارتداد من كتاب الحدود على عدم قبول توبته ظاهرا وقوى قبولها