صوما وإن لم تكن مقارنة للجميع.
وقد قلنا كلنا: إن استمرار حكم النية في جميع زمان الصوم ثابت وإن لم تكن مقارنة لجميع أجزائه، ولهذا جوزنا وجوز جميع الفقهاء أن يعزب عن النية ولا يجددها ويكون صائما، وجعلناه صائما مع النوم والإغماء. ونحن نعلم أن منافاة عزوب النية لنية الصوم أشد من منافاة عزيمة الأكل لعزيمة الكف، وكذلك منافاة النوم والإغماء لها.
ألا ترى أنه لا يجوز أن تكون النية عازبة عنه في ابتداء الصوم ويكون مع ذلك صائما، وكذا لا يجوز أن تكون في ابتداء الدخول في الصوم نائما أو مغمى عليه، ولم يجب أن ينقطع استمرار حكم النية بتجدد غروب النية، ولا بتجدد نوم أو إغماء مع منافاة ذلك لنية الصوم لو تقدم وقاربها. كذلك لا يجب إذا تقدم منه الصوم بالنية الواقعة في ابتدائه عزم في خلال النهار على أكل أو غيره من المفطرات لا يجب أن يكون مفسدا لصومه، لأن حكم النية مستمر.
وهذه العزيمة لا تضاد بينها وبين استمرار حكم الصوم، وإن كانت لو وقعت في الابتداء لخرجت من الانعقاد، وإنما كان في هذا المذهب شبهة لو وجب على الصائم تجديد النية في جميع زمان الصوم وأجزاء اليوم، وإذا كان لا خلاف أن تجديد هذه النية غير واجب لم يبق شبهة في أن العزيمة على الأكل في خلال النهار مع انعقاد الصوم لا يؤثر في فساد الصوم، إذ لا منافاة بين هذه العزيمة وبين الصوم واستمرار حكمه.
وعلى هذا الذي قررناه لا يكون من أحرم إحراما صحيحا بنية وحصلت في ابتداء إحرامه ثم عزم في خلال إحرامه على ما ينافي الإحرام - من جماع أو غيره - مفسدا لإحرامه، بل حكم إحرامه مستمر لا يفسد إلا بفعل ما ينافي الإحرام دون العزم على ذلك. وكذا من أحرم بالصلاة ثم عزم على مشي أو التفات أو فعل ناقض آخر لم يفسد للعلة التي ذكرناها.