لأنا نقول: جاز أن يكون للوجوب في الأول دون الثاني، لدليل فإنه لا يجب من كونه للوجوب مطلقا كونه للوجوب في كل شئ، ولأن كل صلاة متأخرة يجب أداؤها بعد المتقدمة عليها لوجوب الترتيب، ولأنها ظهر يوم مثلا فيجب بعد صبحه.
لا يقال: إنما يجب ذلك لو بقي وقت الصبح، أما إذا خرج وصارت قضاء في الذمة لم قلتم بوجوب بقاء التقديم؟.
لأنا نقول: التقديم واجب في نفسه، وإيقاع الغداة في وقتها واجب آخر، ولا يلزم من فوات الواجب الثاني فوات الأول.
وأما الحكم الثاني: وهو المعركة العظيمة بين الفقهاء فنقول: الذي يدل على ما اخترناه من جواز تقديم الحاضرة في أول وقتها المنقول والمعقول.
أما المنقول: فالكتاب والأثر، أما الكتاب فوجهان:
الأول: قوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " (1) وبيان الاستدلال به يتوقف على مقدمات:
إحداها: إن الأمر للوجوب، وقد تبين ذلك في أصول الفقه (2) وهو إجماع هنا.
الثانية: إن الأمر هنا ليس مختصا بالنبي - صلى الله عليه وآله - بل هو متناول للأمة كتناوله للنبي - صلى الله عليه وآله - وهو مجمع عليه أيضا، ولقوله - عليه السلام -: " صلوا كما رأيتموني أصلي " (3)، ولقوله تعالى: " أقيموا الصلاة " (4).
الثالثة: إن المراد بالصلاة هنا اليومية، وهو إجماع أيضا، إذ المراد بالدلوك أما الزوال أو الغروب، فيتناول إما الظهر والعصر أو المغرب والعشاء أو الجميع.
الرابعة: إنه عام، وهو ظاهر أما في حق المكلفين فبالإجماع، إذ لا يختص به أحد وإلا لزم التخصيص من غير دليل. وأما في الوقت فبقوله: " إلى غسق الليل " وهو