الآخر علمنا إن كل واحد من الأمرين المرح تبطين للحب الذي قام لكل واحد منهما في ظهور الأمر الثالث وإنه طالب للأمر الثاني فصح الطلب من كل واحد والحاصل لا يبتغى فلا بد أن يتصفا بالفقد لما يبغيان وجوده والطلب لا يكون إلا بنوع من الإذلال وقال ربكم ادعوني أستجب لكم فطلب الدعاء من عباده وطلب العباد الإجابة منه فالكل طالب ومطلوب وقد قام الدليل أن الحوادث لا تقوم به فلا يستقل بكل طلب في ذاته لأن الطلب من الحادث حادث ويستحيل أن يقوم به مثل هذا الطلب فلا بد من طلب وجود ما يقوم به هذا الطلب الحادث وهو قوله إذا أردناه والطلب إرادة سواء طلبك لنفسه أو طلبك لك على كل حال الحاصل لا يبتغى من الوجه الذي يطلب فإنه من ذلك الوجه ليس بحاصل فلا يصح الوجود أصلا إلا من أصلين الأصل الواحد الاقتدار وهو الذي يلي جانب الحق والأصل الثاني القبول وهو الذي يلي جانب الممكن فلا استقلال لواحد من الأصلين بالوجود ولا بالإيجاد فالأمر المستفيد الوجود ما استفاده إلا من نفسه بقبوله وممن نفذ فيه اقتداره وهو الحق غير أنه لا يقول في نفسه إنه موجد نفسه بل يقول إن الله أوجده والأمر على ما ذكرناه فما أنصف الممكن نفسه وآثر بهذا الوصف ربه فلما علم الله أنه آثر ربه على نفسه بنسبة الإيجاد إليه أعطاه الظهور بصورته جزاء فلا أكمل من العالم لأنه لا أكمل من الحق وما كمل الوجود إلا بظهور الحادث ولما كان الأمر بهذه المثابة في التوقف وعدم الاستقلال من الطرفين نبه الحق على ذلك بقوله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي وهو أيضا أعني التقسيم موجود في استخلاف العبد وفي وكالة الحق فيما هو فيه العبد مستخلف فاستقل الوجود وكمل بالحادث ولما كان الحق غيورا أن يذكر معه سواه تجلى للعالم في صور المحدثات وعلموه فيها أعلاما منه للعالم إنه غني عن العالمين بما رأيتموه في ذاته من ظهوره بالتجلي في صور المحدثات فسواء ظهوركم وعدمكم يقول للممكن فعند ذلك ذل الممكن بالفعل في نفسه فوقع منه ما خلقه الله له وزال عنه عز الاستعداد بالقبول في الإيجاد إذا رأى أعيان الصور التي تكون عن قبولها واقتدار الحق قد ظهر الحق بها فلم تكن الحاجة إلى الممكنات في قبولها والأمر قد حصل وصح قوله والله غني عن العالمين ولقد برقت لي بارقة إلهية عند تقييدي هذه المسألة رأيت فيها ما شاء الله من العلوم كما ضرب النبي ص بالمعول الحجر الذي تعرض لهم في الخندق فبرقت في الضربة منه بارقة رأى بها ما فتح الله على أمته حتى رأى قصور بصري كأنياب الفيلة رأى ذلك في ثلاث ضربات في كل ضربة بارقة تبدي له جهة مخصوصة هذا رأيته عند تقييدي هذا الباب وراثة نبوية بحمد الله ورأيت فيها وبها وإن ظهر بصور الممكنات واتصف بالغنى فإن ذلك لا يخرجه عن عدم الاستقلال في وجود الحادث به إذ لا بد من قبوله وفيه وقع الكلام هذا مما أعطتنيه تلك البارقة وإنه تعالى لما خلقهم لعبادته كساهم صفته وهي التي بها طلبهم فعبدوه بها إذ لا يصح أن يعبدوه بأنفسهم على جهة الاستقلال ولهذا شرع لهم أن يقولوا بعد قولهم إياك نعبد وإياك نستعين لعدم الاستقلال في العبادة فألقت عندهم الطلب في المعونة على عبادته كما كان القبول منهم معونة للاقتدار الإلهي في الخلق ولولا هذا الارتباط ما صحت عبادة ولا إيجاد فالإيجاد عبادة وهو لله والعبادة إيجاد وهي المطلوبة من الخلق فهم العابدون وهو المعبود وهو الموجد وهم الموجودون فلام العلة ذاتية من الجانبين واسمها في الشرع حكمة وسبب فإنه حكيم ففي كل شئ له حكمة ظاهرة يعلمها أهل الكشف والوجود في كل شئ ويعلمها أهل الرسوم في التكليفات التي لا تعلم إلا من جهة الشرع فحكمتها لا تعلم إلا من جهة الشرع كقوله ولكم في القصاص حياة وأما القول بالعلة في التكليف من جهة الحق فمظنونة غير معلومة ولكن فتح لهم باب الاستنباط بما ذكره لهم في الوحي المنزل من التعليل فمنه جلي ومنه خفي كذلك له في الأشياء حكمة باطنة لا يعلمها إلا هو ومن أعلمه الله بها ولذلك قال الجن وهو ما استتر فلا يعلم إلا منه والإنس وهو ما ظهر فيعلم بذاته حيث ظهر وإلا ليعبدون إثبات السبب الموجب للخلق فهذه لام الحكمة والسبب شرعا ولام العلة عقلا والعبادة ذاتية للمخلوق لا يحتاج فيها إلى تكليف فلا بد أن يكون الخالق عين كل صورة يعبدها المخلوق مع افتقار الصورة إلى المادة وإنه إذا لم يكن الأمر هكذا فلا تكن العبادة من المخلوق ذاتية فإنه إذا اقتصرنا على مسمى الله في العرف عبد المخلوق غير الله فإنا نرى الأكثر من العالم ما يفتقرون
(١٠١)