لم يعلم ذلك فهو جاهل بالحق ومتى علم ولم يعمل بعلمه فهو غير عاقل فلا بد لصاحب هذا المقام أن يكون تام العقل كامل العلم وهذا هو الحفظ الإلهي والعناية العظمى والسلوك على هذه الطريقة المثلى التي هي الطريقة الزلفى هو السلوك الأقوم ولما أتم الله خلق العالم روحا وصورة وأنزل كل خلق في رتبته جعل بين العالم التحاما روحانيا وجسمانيا لظهور أشخاص كل نوع من العالم إذ كان دخول أشخاص كل نوع في الوجود مستحيلا وإنما فعل ذلك ليظهر فضل الفاعل على المنفعل بالذوق فيعلمون فضل الحق على عباده ويعرفون كيف يتحققون معه في عبودتهم ونسب إليهم الخلق فقال وإذ تخلق من الطين وقال فتبارك الله أحسن الخالقين فذكر إن ثم خالقين الله أحسنهم خلقا فإنه تعالى يخلق ما يخلق عن شهود والخالق من العباد لا يخلق إلا عن تصور يتصور من أعيان موجودة يريد أن يخلق مثلها أو يبدع مثلها وخلق الحق ليس كذلك فإنه يبدع أو يخلق المخلوق على ما هو ذلك المخلوق عليه في نفسه وعينه فما يكسوه إلا حلة الوجود بتعلق يسمى الإيجاد فمن أوقفه الله كشفا على أعيان ما شاء من الممكنات فليس في قوته إيجادها أي ليس بيده خلعة الوجود التي تلبسها تلك العين الثابتة الممكنة أعني بالمباشرة ولكن له الهمة وهي إرادة وجودها لا إرادة إيجادها منه لأنه يعلم أن ذلك محال في حقه فإذا علق همته بوجودها يتعلق الحق القول بالتكوين فتعلم قول ربها من قول الخلق سواء كان القول على لسان الخلق أو كان من الحق بارتفاع الوسائط فيتكون ذلك الشئ ولا بد فيقال في الشاهد فعل فلان بهمته كذا وكذا وإن تكلم يقال قال فلان كذا وكذا فانفعل عن قوله كذا فمن عرف ذلك عرف ما للعبد في ذلك التكوين وما للحق فيه فلذلك قال إنه أحسن الخالقين فإذا ظهر عين ذلك المكون أي شئ كان تشوفت إليه مرتبته لأن مزاجه يطلبها وأعني المرتبة الأولى فيكتسب الاستعداد لأمور علية أو دنية بحسب ما يعطيه ذلك الاستعداد المكتسب فيظهر في العالم بصورة ذلك فإذا نظر فيه الأجنبي وأعني بالأجنبي الذي لا علم له بالحقائق ونظر إلى استعداده فأعطاه نظره أنه نازل عن رتبته أو رتبته فوق ذلك أعني الرتبة التي ظهر فيها والأمر في نفسه ليس كما ظهر لصاحب هذا النظر فإن الاستعداد المؤثر إنما هو في الخلق وهو استعداد ذاتي وأما الاستعداد العرضي فلا حكم له بل الاستعداد العرضي رتبة أظهرها الاستعداد الذاتي وغاب هذا القدر من العلم عن أكثر الخلق مثال ذلك أن يروا شخصا ساكتا قد تصور العلوم وأحكمها وأعطى من المراتب أخسها ممن لا ينبغي لمن جمع هذه الفضائل والعلوم أن يكون غايته تلك الرتبة فيقال إنه قد حط هذا الرجل عن رتبته وما أنصف في حقه وما عندهم خبر بأن رتبته إنما هي عين تلك الفضائل التي جمعها وتلك العلوم التي أحكمها ومن جملتها هذه المرتبة الخسيسة التي ولاة السلطان عليها إن كان من الولاة وإن لم يكن من الولاة ولا نال شيئا مع هذا الفضل من المناصب قيل فيه إنه محروم وما هو محروم وإنما الموطن اقتضى ذلك وهو أن الدنيا اقتضت أن يعامل فيها الجليل بالجلال في وقت وفي وقت يعامل الجليل بالصغار وفي وقت يعامل الصغير بالصغار وفي وقت يعامل الصغير بالجلال بخلاف موطن الآخرة فإن العظيم بها يعامل بالعظمة والحقير بها يعامل بالحقارة ولو نظر الناظر لرأى في الدنيا من يقول في الله ما لا يليق به تعالى ومن يقول فيه ما يليق به من التنزيه والثناء وأعظم من الحق فلا يكون هذا العبد فمن علم المواطن علم الأمور كيف تجري في العالم وإلى الله يرجع الأمر كله ما صح منه وما اعتل فلا تنظر إلى المناصب وانظر إلى الناصب الذي يعمل بحكم المواطن لا بما يقتضيه النظر العقلي فإن الناظر إذا كان عاقلا علم بعقله أن موطن الدنيا كذا يعطى ويترك عنه الجواز العقلي الذي يمكن في كل فرد فرد من أفراد العالم فإن هذا الجواز في عين الشهود ليس بعلم ولا صحيح وليكن العاقل مع الواقع في الحال فإن ذلك صورة الأمر على ما هو عليه في نفسه لا تعلق لعاقل بالمستقبل إلا إن أطلعه الله كشفا على أعيان الممكنات قبل وقوعها في الوجود فلا فرق بينه وبين من شهدها في وقوعها لأن هذا المكاشف يزول عنه حكم الجواز العقلي فيما كوشف به وأطلعه الله عليه فهذا بعض علم هذا القطب (وأما القطب الحادي عشر الذي على قدم صالح ع) فسورته من القرآن سورة طه ولها الشرف التام ومنازله بعدد أيها اعلم أن هذا القطب دون سائر الأقطاب أشرف بهذه السورة من سائر الأقطاب لأن هذه السورة أشرف سورة في القرآن في العالم السعيد
(٨٦)