هاتين المرأتين في التعاون عليه من يعاون رسول الله ص عليهما وينصره وهو الله وجبريل وصالحوا المؤمنين ثم الملائكة بعد ذلك وليس ذلك إلا لاختلاف السبب الذي لأجله يقع التعاون فثم أمر لا يمكن إزالته إلا بالله لا بمخلوق ولذلك أمرنا أن نستعين بالله في أشياء وبالصبر في أشياء وبالصلاة في أشياء فاعلم ذلك وكان ثم أمر وإن كان بيد الله فإن الله قد أعطى جبريل اقتدارا على دفع ذلك الأمر فأعان محمدا ص في دفعه إن تعاونا عليه وإن رجعا عنه وأعطيا الحق من نفوسهما سكت عنهما كما سكتنا فكان لهما الأمر من قبل ومن بعد وهو نعت إلهي فإنه لحركتهما تحرك من تحرك ولسكونهما سكن الذي أراد التحرك وكذلك صالحوا المؤمنين كان عندهما أمر نسبته في الإزالة بصالحي المؤمنين أقرب من نسبته إلى غيرهم فيكون صالح المؤمنين معينا لمحمد ص ثم الملائكة بعد ذلك إذا لم يبق إلا ما يناسب عموم الملائكة التي خلقت مسخرة يدفع بها ما لا يندفع في الترتيب الإلهي إلا بالملائكة مع انفراد الحق بالأمر كله في ذلك والقيام به ولكن الجواز العقلي فأخبر الحق بالواقع لو وقع كيف كان يقع فما يقع إلا كما قاله وما قال إلا ما علم أنه يقع بهذه الصورة وما علم إلا ما أعطاه المعلوم من نفسه أنه عليه بما شهده أزلا في عينه الثابتة في حال عدمه فانظر يا ولي كيف تبدي الأمور حقائقها لذي فهم وقلب جعلنا الله وإياكم من أهل الفهم عن الله ممن له قلب يعقل به عن الله وألقى السمع لخطاب الله وهو شهيد لما يحدثه الله في كونه من الشأن وأما القطب التاسع الذي على قدم لوط ع فسورته سورة الكهف ولها العصمة والاعتصام ومنازله بعدد آيها حاله العصمة من كل ما يؤدي إلى سوء الأدب الذي يبعد صاحبه عن البساط فهو محفوظ عليه وقته أبدا وعلمه علم الاعتصام وقد عينه الله وحصره في أمرين الاعتصام به فقال عز من قائل فاعتصموا بالله والاعتصام الآخر بحبله وهو قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا فمن الناس من اعتصم بالله ومنهم من اعتصم بحبل الله وقال إن الاعتصام بحبل الله هو عين الاعتصام بالله وهذا القطب جمع بين هذين الاعتصامين والفرق بين الاعتصامين أن حبل الله هو الطريق الذي يعرج بك إليه مثل قوله إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وليس حبله سوى ما شرعه وتفاضل فهم الناس فيه فمنهم ومنهم ولذلك فضل الله بعضهم على بعض فمن لم يخط طريقه فهو المعصوم والتمسك به هو الاعتصام وعليه حال المؤمنين الذين بلغوا الكمال في الايمان ومثل هؤلاء يعتصمون بالله في اعتصامهم بحبل الله وهو قوله وإياك نستعين وقوله واستعينوا بالله وأما الاعتصام بالله فهو قوله ص قوله في الاستعاذة وأعوذ بك منك فإنه لا يقاومه شئ من خلقه فلا يستعاذ به إلا منه فإن الإنسان لما حصل في سمعه أنه مخلوق على صورة الحق ولم يفرق بين الإنسان الكامل وبين الإنسان الحيوان وتخيل أن الإنسان لكونه إنسانا هو على الصورة وما هو كما وقع له ولكنه بما هو إنسان هو قابل للصورة إذا أعطيها لم يمتنع من قبولها فإذا أعطيها عند ذلك يكون على الصورة ويعد في جملة الخلفاء فلا يتصرف من هو على الصورة إلا تصرف الحق بها وتصرف الحق عين ما هو العالم عليه وفيه وأنت تعلم بكل وجه ما العالم فيه من مكلف وغير مكلف ومما ينكر ويعرف ولا يعرف ما ينكر وما يعرف من العالم المكلف إلا الخليفة وهو صاحب الصورة فالحق له حكم الإنكار لا للعبد فالمعتصم بالله إذا كان صاحب الصورة لا يعتصم إلا منه بأن يظهر به في موطن ينكره عليه وإن كانت صفته فليس له أن يتلبس بها في كل موطن ولا يظهر به في كل مشهد بل له الستر فيها والتحلي بها بحسب ما يحكم به الوقت وهذا هو المعبر عنه بالأدب ولو كان مشهده أنه لا يرى إلا الله بالله وأن العالم عين وجود الحق وأعظم من هذا الصارف عن الإنكار فلا يكون ولكن لا بد من الإنكار إن صح له هذا المقام فهو ينكر بحق على حق لحق ولا يبالي وحجته قائمة وأما القطب العاشر الذي على قلب هود ع فسورته سورة الأنعام ولها الكمال والتمام في الطوالات ومنازله بعدد آيها ولهذا القطب علوم جمة منها علم الاستحقاق الذي يستحقه كل مخلوق في خلقه وعلم ما يستحقه ذلك الخلق من المراتب فأما استحقاق الخلق فقوله أعطى كل شئ خلقه وأما المراتب فالتنبيه عليها من قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره ويا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم وهو أن تزيده على مرتبته أو تنقصه منها وما يتميز العالم العاقل من غيره إلا بإعطاء كل ذي حق حقه وإعطاء كل شئ خلقه ومتى
(٨٥)