والتعليل الأول جيد لأن مرجعه إلى أن العبادات توقيفية فيرجع في كيفيتها صحة وبطلانا إلى ما ثبت من الشارع فما ثبت التعبد به حكم بصحته وإلا فلا، إلا أنه ينقض عليهم بما قدمنا ذكره في مسألة صلاة المأموم الواحد مع الإمام حيث جعلوا موقفه على يمينه من المستحبات وجوزوا كونه خلفه وعن يساره، والأخبار الواردة في المسألة كلها متفقة على كون المأموم المتحد موقفه عن يمين الإمام والأكثر خلفه، وقضية التعليل المذكور في هذه المسألة جار في تلك المسألة كما عرفت فكيف عدلوا عنه ثمة من غير دليل؟
وكيف كان فظاهر كلامهم أنهم لم يقفوا على دليل من الأخبار زائدا على ما ذكروه هنا من هذا الدليل المؤيد باتفاقهم.
ويمكن أن يستدل على ذلك بصحيحة محمد بن عبد الله الحميري المروية في التهذيب (1) قال: " كتبت إلى الفقيه عليه السلام أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم السلام) هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت: أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة بل يضع خده الأيمن على القبر، وأما الصلاة فإنها خلفه يجعله الإمام ولا يجوز أن يصلي بين يديه لأن الإمام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله ".
والتقريب فيها أنه عليه السلام جعل القبر الشريف بمنزلة إمام الجماعة في الأحكام المذكورة فكما لا يجوز التقدم على الإمام في الجماعة لا يجوز التقدم في الصلاة على القبر الشريف، وكما يجوز التأخر والمساواة هناك فإنهما يجوزان هنا.
وقد سبقنا إلى فهم هذا المعنى من الخبر شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في كتاب الحبل المتين حيث قال ما صورته: هذا الخبر يدل على عدم جواز وضع