يا مولانا جمال الدين - أدام الله فواضلك - أنت إمام المجتهدين في علم الأصول، وقد تقرر في الأصول مسألة إجماعية، هي: أن الاستصحاب حجة ما لم يظهر دليل على رفعه، ومعه لا يبقى حجة، بل يصير خلافه هو الحجة، لأن خلاف الظاهر إذا عضده دليل صار هو الحجة وهو ظاهر، والحالة السابقة على حالة الشك قد انتقض بضده، فإن كان متطهرا " فقد ظهر أنه أحدث حدثا " ينقض تلك الطهارة، ثم حصل الشك في رفع هذا الحدث، فيعمل على بقاء الحدث بأصالة الاستصحاب، وبطل الاستصحاب الأول، وإن كان محدثا " فقد ظهر ارتفاع حدثه بالطهارة المتأخرة عنه، ثم حصل الشك في ناقض هذه الطهارة والأصل فيها البقاء، وكان الواجب على القانون الكلي الأصولي أن يبقى على ضد ما تقدم.
فأجابه العلامة: وقفت على ما أفاده المولى الإمام العالم - أدام الله فضائله، وأسبغ عليه فواضله، بل استدل بقياس مركب من منفصلة مانعة الخلو بالمعنى الأعم عنادية وحمليتين، وتقريره: أنه إن كان في الحالة السابقة متطهرا، فالواقع بعدها:
إما أن يكون الطهارة وهي سابقة على الحدث، أو الحدث الرافع للطهارة الأولى فيكون الطهارة الثانية بعده، ولا يخلو الأمر منهما، لأنه صدر منه طهارة واحدة رافعة للحدث في الحالة الثانية وحدث واحد رافع للطهارة، وامتناع الخلو بين أن يكون السابقة الطهارة الثانية أو الحدث ظاهر، إذ يمتنع أن يكون الطهارة السابقة، وإلا كانت طهارة عقيب طهارة رافعة للحدث، والتقدير: خلافه، فتعين أن يكون السابق الحدث، وكلما كان السابق الحدث فالطهارة الثانية، متأخرة عنه، لأن التقدير أنه لم يصدر عنه إلا طهارة واحدة رافعة للحدث، فإذا امتنع تقدمها على الحدث وجب تأخرها عنه، وإن كان في الحالة السابقة محدثا "، فعلى هذا التقدير: إما أن يكون السابق الحدث أو الطهارة، والأول محال وإلا كان حدث عقيب حدث، فلم يكن رافعا " للطهارة، والتقدير: أن الصادر حدث واحد رافع للطهارة، فتعين أن يكون